في سلسلةِ مقالاتٍ نقديَّة غيرِ دوريةٍ, هذا الموضوعُ الإشكاليُّ الَّذي ما فَتئَ يحرِّكُ أقلامَ الأدباءِ والنُّقَّادِ, إنَّه ذلكَ الانفلاتُ الأدبيِّ بلا قيدٍ ولا شرطٍ.
قدْ يقولُ أحدُهم:» وهلْ في الإبداعِ قيودٌ وشُروطٌ؟ وَمتى كانَ الإبداعُ الأدبيُّ مقيّداً بقوانينَ ؟ فالمُبدعُ حرٌّ والحريةُ إبداعٌ, ولا حقٌ لأحدٍ أنْ يقيِّدَ حريَّةَ الأديبِ شاعراً كانَ أمْ ناثراً!
لَعمري إن حشرَ الحرية هنا, أقرب إلى مقولة «كلمة حق يراد بها باطل»
فمنذُ أن فتحتْ أبوابُ الفضاءِ الافتراضيِّ, وظهرتْ وسائلُ الاتِّصالِ المتنوِّعةِ, فتحتْ أبوابٌ كانتْ يوماً ما مُغلقةً, وصارَ الصَّادي والغادي يكتبُ وَيلقي كتابتَه على شَبكةِ التَّواصلِ, والمُنتدياتِ, وتشكَّلتْ مجموعاتٌ وشللٌ منَ الكتَّابِ, أسّسوا منتدياتٍ وصفحاتٍ, يُباركون لأنفسِهم وَشُركائِهم وَيلقونَ مصطلحاتِ الإعجابِ والإطراءِ والمديحِ على بعضِهم, ومنْ يمرّ ولا يعجبُ أو يعلِّقُ, يلقى اللَّوم والعتابَ من صديقِه, وكأنَّنا في حفلةِ عشاءٍ, لا ساحةِ أدبٍ وفكرٍ وشِعرٍ.
أمَّا الخطرُ الأكبرُ أو الظَّاهرةُ الأشدُّ خطورةً, فهيَ تلكَ المسابقاتُ الَّتي يعلنُ عنْها منْ قبلِ أصحابِ الصَّفحاتِ, وتلكَ الشَّهاداتُ الَّتي تزِّينُ صدورَ أولئكَ الفائزينَ, ولوْ كانَ صاحبُ الصَّفحةِ ومنْ يمنحُ الشَّهاداتِ لا يعرفُ ألف باءَ الأدبِ أو قواعدَ اللُّغةِ أوْ علومَ التَّصريفِ والبلاغةِ والعروضِ, بلْ إنَّ أكثرَهم يفعلُ ذلكَ لغايةٍ في نفسِ يعقوبَ, وخاصَّة عندَما يجمعُ حولَه عدداً منْ فارغاتِ الأشغالِ اللَّواتي عمدْن إلى إشغالِ أنفسِهنَّ بالكتابةِ والتَّعبير الَّذي لا يَرقى إلى مُستوى تلميذةٍ في التَّعليمِ الأساسيِّ, معَ جهلٍ تامٍّ بالُّلغةِ الَّتي يكتبونَ بها, ومنهُم منْ يعمدُ إلى نصوصٍ مُترجمةٍ فينسخُها ويلصقُها على صفحتِه أو صفحاتِ أصدقائِه, غيرَ آبهٍ لما يسمَّى السَّرقةَ والاختلاسَ, وحقوقَ الغَيرِ.
فائق موسى