لاننكر ، أننا في طفولتنا ، وفي يفاعتنا ، كنا نترقب العطل المدرسية بفارغ الصبر ، بخاصة العطل التي تترافق مع مناسبات وطنية أو اجتماعية ، كنا نجد فيها استجماماً ، بل راحة من بعد عناء ، كنا نجد فيها فرصاً متاحة للعب مع الأقرباء والأصدقاء ، أو لمطالعة القصص المسلية والمجلات المفيدة ، وكنا مطمئنين تمام الاطمئنان ، إلى أن أساتذتنا ، لن يطالبونا ( في مذاكراتهم واختباراتهم وامتحاناتهم ) إلا بما سبق أن شرحوه من الدروس لنا ، فلا نحن ولا هم ملزمون بصفحات الكتب جميعها ، ولا نحن ولا هم ملزمون بكل ماجاء في المنهاج المدرسي ، لذلك كانت العطلة عطلة ، أجل عطلة ، بكل ماتحمله هذه الكلمة من معنى ..
أما الآن .. فالتلميذ أو الطالب يدرك أنه مطالب بكل ماجاء في كتبه من معلومات ، يدرك أنه مجبر على إتمام منهاجه السنوي ، لذلك أصبحت العطلة وبالاً عليه ، فهو بعد انتهاء أيامها ، معرض لأن يتلقى كماً هائلاً من الدروس ، كماً هائلاً لا يتناسب مطلقاً مع ساعات تلقيه ، ولايلائم إمكانيته المقيدة وقدرته المحدودة على الفهم والاستيعاب ..
ولعلنا أيضاً .. بعد أن كبرنا قليلاً ، وتجاوزنا مرحلة الطفولة واليفاعة ، صرنا ننتهز الفرص ، حين مجيء هذه العطل ، لنقوم برحلات رائعة و (مشاوير) ماتعة ، أو نشارك في ولائم وحفلات ، كانت شائعة في تلك الأيام البعيدة ، وكانت تتاح لنا بين حين وآخر ، ولكن مقابل مبالغ زهيدة ، ودفعات مالية متواضعة ، تتناسب وجيوبنا الصغيرة ، وليس كما هو الحال الآن ، فمثل هذه الأمور الترفيهية أو الكمالية ، تحتاج لمبالغ طائلة ، لاقبل للكثيرين بها !!..
ومشكلة العطل ، والسلبيات الناجمة عنها .. لاتتوقف عند طلاب وتلاميذ المدارس فقط ، بل تتعداهم إلى أصحاب الكثير من المهن ، التي تعتمد على حركة السوق الدائمة ، وزحام المارة المستمر ، وكلاهما يصاب بجمود ملحوظ من جراء العطل ، انظروا إلى تلك الشوارع الفارغة ، انظروا إلى تلك الدوائر المغلقة ، انظروا إلى تلك الدكاكين التي تنعي من بناها ، ما من زبون قادم ، وما من مراجع مقبل ، وما من عطاء مادي متوفر ..
في الحقيقة .. نحن نستغرب تدفق هذه العطل وتكررها وتتابعها ، وقد كنا حتى عهد قريب ، ندفع عمال المصانع وموظفي الدولة إلى يوم عمل تطوعي إضافي ، فأيام الدوام الرسمية لم تكن تكفي أحياناً ، والإنتاج الوطني بحاجة إلى مزيد من الجهد ومزيد من العمل .. أضف إلى ذلك ، أننا كنا نقتصد كثيراً في موضوع العطل ، حتى في ما يتعلق بعطلة العيد ، إذ كانت تقتصر فقط على أيام العيد تحديداً ، بل كنا نلوم في مقالاتنا بعض المسؤولين ، لتجاهلهم يوم ( الوقفة ) ، وعدم اعتباره يوماً من أيام العطلة الرسمية ، على الرغم من أنه يفسح المجال أمام تهيئة لوازم ( العيد ) ، واحتياجاته ، ومتطلباته ، أو أمام سفر المسافرين ، وعودة المغتربين ، ولقاء أبناء الأسرة أو أفراد العائلة المبعثرين ..
د . موفق أبو طوق