لن أدخل في تعريفات النقد كمصطلح ومفهوم ..ولن أسرد تاريخيته وامتداداته الزمكانية وانعكاساته على حراك مجتمعي هنا أو هناك ..ولن أتحدث عن مصير سياسات دول أو مؤسسات أو أفراد أو مجتمع أو أسرة اعتمدت النقد وتقبّل الآخر منهجاً لها ففتحت الحوارات فيما بينها من جهة و بين الآخر من جهة أخرى، أو أعدّد وأسرد ولو بإيجاز مصير حراك مجتمعي سياسي مؤسساتي انعدم الحوار، لا بل أعدمه في سبيل تعزيز وتكريس صوته الأوحد ولونه الأوحد ووجهه الأوحد .
الحوار . . النقد . . تقبّل الآخر حاجة وضرورة للبناء والتغيير والتأسيس لواقع حضاري ولمستقبل مزنر بالوعي وبالجمال وبالسلامة لكل مفردات المكان.
والمنهج الآخر المغاير لما تحدثنا به سابقاً يعزز الاستبداد والقمع وإلغاء الآخر ويورث الهلع والخوف ومقومات السقوط حتى ولو كان ما هو واضح وجليّ أمامنا على أنه بناء متين متماسك و جميل إلا أن كل هذا ينهار أمام أول ريح قد تهبّ .
وهذا ما ينطبق على مختلف مفردات الحياة بدءاً من الفرد والأسرة، وانتهاء بنطام عالمي دولي كوني , فعلى سبيل المثال لا الحصر الأسرة . . العائلة حين يكون المنهج المعمول فيها مبنياً على الحوار وتبادل الرأي وتقبّل ثقافة النقد يكون أو تكون هيكليتها أكثر رقياً وجمالاً وتماسكا ( الأب , الأم , الأولاد ).
وكذلك الأمر في المشهد الثقافي ..الاقتصادي ..السياسي ..الديني ..الخ
فالمثقف أو الأديب أو الشاعر عندما يوقن أن نصه أو منتجه الأدبي كامل مكتمل غير قابل للنقد فهو بالمطلق ميت لا محالة أو في طريقه إلى الموت سيما المثقف، ومن بداهة الثقافة ومفرداتها أو المشتغلين بها تقبّل الآخر والنقد, ولكن قراءة بسيطة لمشهدنا الثقافي يدرك أن ثمة واقعاً غير صحّي وصحيح في بعض جوانبه المتعلقة بالنقد . . بثقافة النقد .
وهذا ما نراه أيضاً وبشدة في غير مشهد اقتصادي وسياسي وديني وتربوي أيضاً, فعندما ينعدم الحوار بين المنتج والمستهلك ..بين المدير والعامل ..بين الطالب والمدرس .. بين المواطن والنائب ..بين الحكومة ومجلس النواب ..بين ..وبين ..الخ يصبح ( كل يغني على ليلاه ) وتصبح الحالة أكثر سوءاً وتدهوراً، ونصبح في واقع أقل ما يقال عنه غير قريب من مفهوم المجتمع ..الدولة ..أي نصبح في غابة والقوي فيها يأكل الضعيف .
معاً لتعزيز ثقافة الحوار ..ثقافة النقد ..ثقافة الإشارة على مواطن الجمال و الألق والبناء هنا، وأيضاً الإشارة وبالبنان إلى مواطن الفساد والخلل الضعف والوهن التي تسيء للبناء الفني ولهيكليته .
وهذا ما يتطلب أولاً وقبل كل شيء الحرية وفق نظام أو قانون يضمن السلامة ويحمي الجميع ويكون الكل متساوين أمامه وهو فوق الجميع دون استثناء .
وثانياً الجرأة في القول وفي الطرح وبموضوعية منطلقين من هدف سام تجاه غاية نبيلة وهي بناء الجمال والخير والسلام المجتمعي الحضاري .
إن ما تعرضت ومازالت له سوريتنا العظيمة يقتضي منا جميعاً مراجعة نقدية ذاتية للوقوف عند أسباب هذا الوهن والخراب الذي أصابنا جميعاً وتغلغل في جسدنا الوطني ..ضحينا بأجمل وأعظم ما نملك لأن سوريتنا تستحق وتستحق ..
والسوري يستحق حياة نبيلة تليق بتضحياته.
عباس حيروقة