تشتعل الحرائق يومياً بالمحافظة وأحياناً أكثر من حريق في وقت واحد ، تشب في الأراضي المزروعة بالقمح والشعير والزيتون فتأكل الأخضر واليابس ، وتلتهم آلاف الدونمات من أهم محصول استراتيجي ويعدُّ من أسس تحقيق الأمن الغذائي للبلد ، ومن أهم الحاجات المعيشية الرئيسية التي توفرها الدولة لمواطنيها بسعر زهيد ، إذْ لمَّا تزلْ ربطة الخبز السورية من أرخص الخبز في المنطقة العربية.
ولغة المنطق تقول : ليس من المعقول أن تكون كل تلك الحرائق التي تجتاح البلد من أربع جهاته ، بفعل الحرارة المرتفعة أو عوامل أخرى كوجود كسرات زجاج جعلت منها الشمس الوهاجة محرقاً فأضرمت النيران في محيطها وامتدت في الزرع اليابس وأتت على مساحات شاسعة منه ، أو قداحات غاز غير صالحة للاستخدام تنفجر بفعل الحرارة وتشعل الأرض حتى تصير يباباً!.
لابدَّ من أن يكون في تسونامي الحرائق هذا ( فعلُ فاعل ) للقضاء على محصول القمح في هذا الموسم الذي جادت فيه السماء بأمطار غزيرة حتى طافت الأرضُ كما يقال في الدارج الشعبي تجاوزت المعدلات السنوية ، وبشَّرت بإنتاج زراعي وافر ، وخصوصاً من القمح الذي يجعل وطننا الحبيب يكتفي به عن الاستيراد لصناعة الرغيف وتأمينه للمواطن.
فقد عُثِرَ في بعض الأراضي الزراعية التي احترقت أو أُحرقت بالحسكة الحبيبة على بقايا أجهزة تفجير ، وتبنَّى تنظيم داعش الإرهابي تفجيرها ، فيما الحرائق التي أُضرمت بأراضي محافظتنا الزراعية قُيِّدتْ ضد مجهول كما هي العادة ، رغم أنها غير منطقية على الإطلاق ، فهل من المنطقي بشيء اشتعال خمسة حرائق في يوم واحد بمنطقة سلمية ، واثنين في ريفنا الشمالي؟!.
بالتأكيد ليس منطقياً ، ولن يكون كذلك مهما حاولنا أن نكون واقعيين لعدم توافر دليل بين أيدينا حتى الساعة على أن معظمها أو بعضها بفعل فاعل ، ولن نستطيع تقبُّلَ هذه الفكرة حتى لو لم يصدر عن الجهات الرسمية بالمحافظة أية معلومات أو تأكيد حتى الآن لضلوعِ فاعلٍ ما أو جهةٍ ما لتلك الحرائق .
وحتى تتبيَّن الحقيقة ، ينبغي للجهات المعنية اتخاذ عدة إجراءات للحد من انتشار الحرائق قبل أن تلتهم ما تبقَّى من محاصيلنا ، ولعلَّ أولها الفلاحة بعرض ثلاثة أمتار بمحيط الأراضي الزراعية في كل مناطق المحافظة ، ويمكنها الإفادة من جرارات المواطنين في هذه الحملة، فهم لا يتأخرون عن واجب إذا ما دعتهم إليه ، شريطة توفير المازوت لجراراتهم .
وثانيها قش جوانب الطرقات بتريكسات مجالس المدن والدوائر الخدمية وكل الآليات التي يمكنها القش ، وأيضاً يمكن الإفادة من آليات المواطنين بهذا الشأن ، فالأعشاب البرية التي نبتت بجوانب الطرقات أثناء الشتاء المطير أمست اليوم وقوداً أخطر من البنزين وقابلة للاشتعال بأي لحظة، وسواء أكان ذلك بعقب سيجارة أو من دونه.
وثالثها استنفار العمال الموسميين الذين عينوا في زراعتي حماة والغاب في سياق الاستعداد لمواجهة الحرائق ، وتكليفهم جميعاً بأعمال ميدانية للمراقبة والمتابعة والقبض على كل من يحاول إشعال نار في أي موقع حراجي أو أرض زراعية . ورابعها ضرورة التحقيق الجدي في تلك الحرائق التي قضت على آمال أصحابها من فلاحينا بجني غلال تعبهم وتعويض خسائر المواسم العجاف السابقة ، وتقديم الجُناة إلى القضاء ليقتصَّ منهم القصاص العادل.
* محمد أحمد خبازي