قداس الحياة

 ثمة مقولة هامة كنا نتناقلها في مجالسنا وحواراتنا ونتباهى بترديدها لمفكر ومحام وخطيب روماني اسمه (ماركوس توليوس  شيشرون ) 106 – 43 ق.م
ولن نتحدث هنا عن هذه الشخصية الإشكالية تاركين ذلك لغير موضع فالمقولة هي :
(( إذا كان لديك حديقة ومكتبة فأنت لديك كل ما تحتاجه)) لننظركم تعكس وتصور ما يمكن أن تختزنه وتكتنزه المكتبة من جهة والحديقة من جهة أخرى وأخال أننا مهما تحدثنا عن تلك الثنائية ( المكتبة والحديقة ) لن نستطيع تصوير ما يمكن أن تكون عليه زهرة في صباح نديّ مشرق أو حال قمر الغروب وهو يستحم كامرأة أسطورية في أقاصي الفرات.
وعندما يردد المرء – سيما الأديب أو الشاعر- تلك المقولة وهو في سن الثلاثين غمامة غير ما يرددها وهو في الستين قمرا من العمر..ومما لاشك فيه أن ترديد المقولة تلك وأنت دون حديقة غير ترديدها وأنت تملك حديقة بحجم قصيدة ..والأجمل أيضا والأهم أن تتدرب على الإمعان في مقامات تلك المفردات من ورد وزهر ووريقات وثمار ..من نسيمات لطيفة عفيفة تداعب ذاك الغصن أو تلك العشبة الندية
نعم تأملك لبعض هذا يورثك السكينة والطمأنينة والحبور ..
ونظرتك بعمق لأي أبجدياتها سيمنحك رؤية مغايرة ومختلفة جديدة للحياة لاشك ستكون أكثر انفتاحا وقبولا وإيمانا
ولأننا في زمن القتل والموت والحرب زمن الخراب والتخريب الفساد والإفساد ..هذا الزمن تصمت إن لم تنعدم فيه القوانين ونصبح كأننا في غابة لا بل في كثير من الحالات الغابة أرحم وأكثر انتظاماً , وأمام هذا وذاك نعود للطبيعة ..لقوانينها لجمالها الذي يعرينا تماما ويظهر قبحنا كمخلوقات غير وفية للخالق الذي شاء لنا ان نكون خليفته على هذه الأرض ..
جمال الطبيعة كجمال الأنثى يتركنا بحالة سكر وانتشاء حينا نضحك كأطفال وأحيانا نبكي ككهول فقدوا كل ما لديهم في مساءات الحروب ..
كم نحتاج من تأمل ومعايشة للطبيعة ..مفرداتها حتى نتطهر من قبح وأدران واقع وضَعنا أنفسنا أو وضِعنا به فمارسنا فعل قتل النفس (أنفسنا) بغير ذنب قتل العالم كل العالم .
كم علينا أن نمعن ونتأمل في تأملنا لتلك الساقية وهي تمضي تجاه حقول عطشى ونتدرب على الإصغاء لتلك الأصوات التي ترافقها أصوات خارجة للتو من بين حبيبات تراب ..من روح الأرض وهي تمارس طقسها الكهنوتي الجليل ..
لنتأمل تلك الشتلات ..النباتات ..الأعشاب ..الشجيرات ..وما يرتسم على وريقاتها من ابتسامات نبوية شريفة شهقات عاشقة كلفت بوجه حبيبها المائي ..
تتأمل حال الحديقة بفصل الشتاء وما إن يمضي حتى يهلّ الربيع وتبدأ ملامح حياة جديدة ترتسم على أدق تفاصيلها بدءا من سعد السعود حين تدّب (الماوية في العود) فيزداد كل شيء نضارة وبهاء وامتلاء تتبرعم الشفاه المكتنزة.. وتزهر ابتسامات وتثمر قبلا وملامح اشتهاء ونشوة ..
وهكذا تخال أنك على شرفة جنة أو أكثر..حينها وحسب يسكنك ألف ألف طفل فترقص .. تغرس أناملك بمساكب من نور وضوء وتبدأ بترتيل قداس المحبة لله للإنسان للحياة

عباس حيروقة 

المزيد...
آخر الأخبار