أثار قرار وزارة التجارة الداخلية بإلزام التجار تسليم 15 بالمئة من المواد التي يستوردونها للسورية للتجارة ، استياء العديد منهم وعدّوه كارثةً ما بعدها كارثة ، وهم الذين يأكلون الأخضر واليابس، لبيعهم موادهم المستوردة بسعر الدولار الرائج بالسوق السوداء ، في الوقت الذي تموِّلهم الحكومة فيه من مصارفها العامة وبالسعر الرسمي للقطع الأجنبي !!.
وعلى الرغم من التسهيلات الكثيرة التي تُمنح لهم ، فهم ليسوا بوارد التنازل ولو عن جزء بسيط من هامش أرباحهم الفاحشة والاستثنائية، لصالح الوطن الذي أعطاهم الكثير من نعمه ، بل أغدق عليهم من خيراته ما يستدعي منهم رد جميله عليهم ولو بأبسط النسب !.
ولكن حتى هذه النسبة البسيطة لا يرغبون بالتنازل عنها أو التفريط بها ، لصالح السورية للتجارة كي تحقق التوازن بالأسواق المحلية ولو بحدوده الدنيا ، فقد اعتادوا أكل الجمل بما حمل وأمسى من الصعب عليهم التخلي ولو عن أذنه للدولة!.
وباعتقادنا هذا التمادي من قبل العديد من التجار الحيتان، سببه تساهل الجهات المعنية معهم وسكوتها أو بالأحرى تجاهلها لتحكمهم بالأسواق ورقاب العباد ولقمتهم أيضاً !.
ولنا في تجربة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مع تجار المتة أنصع دليل على ذلك التساهل والتجاهل ، فهي لم تستطع إلزامهم بتخفيض سعر علبة المتة 50 ليرة فقط ، وهاهي اليوم تباع ب 450 ليرة !.
والأنكى من هذا ، أن أولئك التجار يهددون برفع أسعار موادهم التي يمولهم المصرف المركزي لاستيرادها وبالسعر الرسمي للدولار، إذا ما قررت الوزارة المذكورة تطبيق إلزامهم بتسليم 15 بالمئة من مستورداتهم للسورية للتجارة ، وهو ما يعني مسكها من اليد التي تؤلمها ، فهي معنية بحماية المستهلك وتوفير المواد الضرورية لحياته اليومية من جهة ، ولكنها تعاني من عصيان العديد من التجار الذين (طاش حجرهم ) من قرارها وعدوه كارثة بل أم الكوارث من جهة ثانية !.
في الملمات والشدائد وحتى في أوقات الرخاء ، يتخلى التجار وكبار المستوردين عن جزء كبير من أرباحهم للدولة التي يعيشون فيها ويأكلون من خيراتها ، كي تستثمره في مشاريع عامة تعود بالنفع العام على جميع الفئات المجتمعية وبشكل خاص على الفئات الفقيرة والأشد فقراً ، كنوع من المساهمة في التكافل المجتمعي وتقديم أبسط الخدمات للفئات المحرومة منها .
فتسديد الضرائب هو واجب وطني بكل الأعراف والقوانين ، والقبول بهوامش أرباح بسيطة في أوقات الشدة التي يعيشها السواد الأعظم من المواطنين ، هو تعبير عن غيرية التجار الكبار على وطنهم وأبناء جلدتهم ، وعن شعورهم بشعور الفقراء والمحتاجين ، وترجمة لتضامنهم معهم في الضراء قبل السراء !.
ولكن كما يبدو هذا الشعور لم يعد له وجودٌ لدى العديد من التجار ، الذين يفضلون مصالحهم الشخصية على المصالح الوطنية بكل الأحوال والظروف والأوقات ، ومهما تكن أوضاع الناس المعيشية قاسية . على كل حال ، ومهما يكن من أمر أولئك التجار ، لا بد لوزارة التجارة الداخلية من أن تحمي المستهلك بتطبيق قرارها ذاك وإلزام التجار به شاء منهم من شاء أو أبى من أبى ، لتثبت لهم أنها قادرة على مواجهة ألاعيبهم والتصدي لمحاولاتهم ليّ ذراعها.
* محمد أحمد خبازي