أحباؤنا الأطفال ، أولادنا الأعزاء ، أكبادنا التي تمشي على الأرض ، كثیراً ما یلجؤون إلى نهر العاصي ، كي یستمتعوا بمیاهه الجار یة ، ويمارسوا بین أحضانه هوا یاتهم المفضلة ، هواية اسمها السباحة … أجل السباحة ، فالسباحة تنعش المرء ، وتحرك أعضاء جسمه ، وتفتح مسام جلده ، وتخفف من حرارة الجو ، وتنظف بدنه من العرق والغبار ، وهي في الأصل ر یاضة مفیدة ، ر یاضة تفوق غیرها بكثیر ، نظراً لما فیها من تمر ینات عفو یة وحركات تلقائیة ، قلّما تجدها في الر یاضات الأخرى !!.
ولكن ..مع الأسف الشد ید ، تأتینا بین حین وآخر ، أنباء مزعجة ، وأخبار مؤلمة ، عن حوادث قد جرت في حوض العاصي، عن فتیان مغامر ین ابتلعهم تیاره الجارف .. عن عطاش تسمموا، بعدما دخلت أجوافهم ، كمیات هائلة من میاهه الملوثة .. عن أطفال مبتدئین ، زلت أقدامهم قرب الشاطىء ، فسقطوا في أعماق النهر، وهم لا يتقنون فن السباحة .. عن يافعين یتنافسون، فیلقون بأنفسهم من الأعالي ، فتصطدم رؤوسهم بصخر أو حجر، أو یغوصون ولكن لا یظهر لهم من بعدها أثر.. عن مراهقین يتشبثون بالناعورة، فیسیرون مع سیرها ، و یدورون مع دورانها.
وقد نتساءل : أما من حل لهذه المآسي ، أما من مخرج لتلك المصائب، أما من أسلوب ینقذ مجتمعاتنا مما نعانیه یومیاً أو أسبوعیاً أو شهر یاً ؟!.
نتساءل ، و یحق لنا أن نتساءل هذه الأسئلة ، ولكن .. ر یثما نصل إلى إجابات مقنعة ، وحلول واقعیة ، وإجراءات عملیة .. نحاول أن نتساءل أسئلة أخرى :
لِمَ نحن في الأصل .. نستبدل الذي هو أدنى ، بالذي هو خیر؟!. لِمَ نستبدل ما هو غیر آمن ، بما هو آمن ؟!. لِمَ نستبدل سباحة الأنهار ، بسباحة المسابح ؟!.
بمعنى آخر ، یمكننا أن نقلب الأسئلة ، فنقول : لم لانفسح المجال ، أمام هؤلاء الیافعین والأطفال ، لدخول المسابح النظامیة الحكومیة ، بأجور رمز یة ، وأسعار متدنیة .. فأجور مسابحنا بصراحة أكبر من أن تستوعبها جیوب الكثيرين ، وأغلى من أن یتحملها أصحاب الدخل المحدود ، وما أكثر عددهم هذه الأيام..
بعض مسابحنا باتت مع الأسف الشديد ، همها الربح الفاحش وأصبح عدد من المسابح لأبناء الطبقة الغنية فقط، وللأثرياء القدامى منهم والجدد ، ولم یعد هناك متسع فیها لأبناء الأسر ذات الدخل المحدود التي صار وضعها المادي أكثر سوءاً، بسبب الأوضاع الطارئة والظروف الاستثنائیة التي عشناها ونعیشها!.
فعسى أن تكون هناك أوقات محددة في مسابحنا ، نتعامل فیها مع الرواد بأسعار مخفضة ، فنفتح الباب على مصراعیه أمام هؤلاء المساكین ، المحرومین أولاً من ممارسة هواية السباحة، في مسابح الدولة ، والمجبرين ثانیاً على اللجوء إلى السباحة ولكن مع تحمّل مخاطرها .. عبر نهر العاصي !.
د. موفق أبو طوق