قد يبدو العنوان للوهلة الأولى غريباً ، وربما يستهجنه العديد منا نحن المواطنين الطيبين ، الذين يبرع باعةٌ كثرٌ بغشهم ولا يتوانون عن بيعهم مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك الآدمي ، غير عابئين بقانون أو عرف اجتماعي أو أخلاقي، وغير مكترثين بما ينجم عن ذلك من أمراض تهدد صحة المواطن، ولا يهمهم سوى الربح الفاحش وجمع المال فقط !.
ولكنه يبدو منطقياً إذا ما علمنا أن دوريات حماية المستهلك ضبطت مساء يوم الثلاثاء الماضي مسلخ فروج بحي المصافي ، يذبحُ فيه صاحبه فراريجَ نافقةً ويعدها للبيع ، ولو لم تضبطه دوريات التموين لكانت تلك الفراريج النافقة بيعت في أسواقنا المحلية ، ولأكلناها من دون أن نعرف
!. . و سيبدو ذلك العنوان أكثر منطقيةً ، لو أن دوريات حماية المستهلك لم تضبط ذلك المسلخ ولا تلك الفراريج النافقة ، ولم تضبط سابقاً مسلخاً سرياً بحي النصر فيه لحم بقر غير صالح للاستهلاك البشري !.
والآن ، دعونا نفكر بأنَّ ثمَّة مسالخ أخرى لم تضبطها دوريات التموين ، ولمّا تزلْ بمنأى عن أعينها أو متناول يدها ، ويعمد أصحابها إلى ذبح فراريج أو أغنام أو أبقار نافقة ويبيعونها لنا ، ونحن ليس لنا علم ولا خبر !. بل ما أدرانا فعلاً أننا لم نكن فيما مضى ضحايا لمثل هؤلاء الباعة الذين باعوا ضمائرهم للشيطان ، ولا ينظرون إلينا كمواطنين بل كمصدر لثرائهم الفاحش من خلال المتاجرة بلقمتنا ، بطرق غير مشروعة؟! .
ودعونا نسأل : هل تستطيع دوريات التموين مراقبة كل مدن المحافظة ومناطقها ، وهل تستطيع تغطية كل المحال التجارية في أسواقنا؟. باعتقادنا مهما حاولت لن تستطيع ذلك ، وليس بمقدورها ضبط المحال أو المطاعم أو المسالخ السرية ، التي تدار فيها عمليات الغش وبيع المواد الغذائية واللحوم الحمراء أو البيضاء الفاسدة وغير الصالحة للاستهلاك الآدمي ، أو منتهية الصلاحية ، ما لم تُرفد بعناصر إضافية ووسائل نقل واتصالات وغيرها من مستلزمات تغطية الأسواق ومراقبة المحال التجارية.
فنقص المعدات والآليات يساهم بتنامي الغش وازدياد الغشاشين ، وتكالبهم على المواطن الذي لا حول له ولا قوة أمام تعاظم جشعهم .
ومعالجة هذا النقص من مهام ومسؤولية وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ، التي تدرك هذه المشكلة جيداً ، وتعي خطورة تنامي غش المواد الغذائية من دون غيرها من المواد والسلع ، ولكنها لم تبادر حتى اليوم إلى حلها. وحتى يحين وقت حلها عندما ترتئي الوزارة ذلك ، ينبغي أن يجعل كل مواطن منا نفسه خفيراً ، أي مراقباً تموينياً كي يحمي نفسه وأسرته من أولئك الغشاشين ، وإلاّ سيظل عرضةً لغشهم ، وينبغي عليه ألاَّ يتوانى عن إبلاغ التموين بأي وجود لأي محل مخالف أو مسلخ غير مرخص في حيه، تُذبحُ فيه فراريجٌ أو مواشٍ سواء أكانت سليمة أو نافقة.
فالتصدي لمثل هذا النوع من الباعة – بل لجميع أنواع الغشاشين – من مسؤوليتنا كمواطنين أيضاً ، و سبيلنا الوحيد للتأكد مما نأكل .
محمد أحمد خبازي