وانتهت عطلتنا الصيفية

للصيف في طفولتنا .. وقع جميل ، وطعم خاص ، ونكهة مميزة، فهو مصاحب لعطلتنا الطويلة ، المرتبطة باسمه على الدوام : العطلة الصيفية ، وهو على الرغم من جوه الخانق ، وشمسه اللاذعة، وحرارته اللافحة ، إلا أننا كنا نستغل كل ساعة من ساعاته ، وكل فترة من فتراته ، فترانا ، حتى في فترة مابعد الظهر (والأهل جميعهم مستغرقون في نوم القيلولة ) نبقى مستيقظين ، كي نتابع مابدأنا به أول النهار ، وكأن لدينا مشروعاً ضخماً علينا إنجازه !!. ..
ثم .. جميع هذه الصفات السلبية التي يمكن أن تلتصق بالصيف ، كانت على قلوبنا أحلى من العسل ، ففي الصيف ننعم براحة نفسية ليس لها حدود ، ونحظى باستجمام منزلي قل أن نحظى به ، فلسنا مرغمين على دوام مدرسي ، ولسنا مجبرين على حفظ دروس ومراجعة مناهج ، ولسنا مطالبين بواجبات بيتية ووظائف يومية ، نحن أحرار في أوقاتنا ، أحرار في تصرفاتنا ، أحرار في غدونا ورواحنا ..
في الصيف يحلو السهر ، يحلو السمر ، تحلو مطالعة القصص والمجلات ، تحلو ممارسة الهوايات وتنمية المواهب ، يحلو اللعب في ميادين زقاق المئذنة ، ميادين حارتنا القديمة : يحلو (التسابق)، يحلو (النبأ) ، يحلو (الدوش) ، يحلو (الليل) ، يحلو ( الدابرخوش) ، يحلو (أرضو عالي ) ، يحلو (القفز عالحبل)، تحلو (الطابة ) ، تحلو (الصوبينا) ، تحلو ( الخباية ) ، تحلو (الدحراجة) ، تحلو (الصبابة) ، تحلو (مضارب الريشة) ، تحلو (عرباية الرنابيل) ، تحلو (بالقتلية كلوها) ، تحلو ، وتحلو …
وفي الصيف ، يحلو أيضاً السفر والترحال ، فنحن نشارك الأهل في الذهاب إلى مدن مختلفة : إلى دمشق ، إلى حمص ، إلى حلب ، إلى اللاذقية … إلى مصايف مختلفة : إلى بلودان ، إلى الزبداني ، إلى كسب ، إلى صلنفة ، إلى وادي العيون ، إلى مشتى الحلو ، إلى ، إلى …
أربعة أشهر .. بنهارها وليلها ، بصبحها ومسائها ، بشمسها وقمرها، كلها إمتاع،، كلها تشويق ، كلها إثارة ، كلها فرح وسعادة وسرور ..
مازلت أذكر أنني في يوم من الأيام ، كنت قد أنهيت ارتباطي بمدرستي الابتدائية ، بعد أن استلمت ورقة جلائي ، عدت إلى البيت ، وأنا لا أعطي فرحتي لأحد ، وقفت عند باب البيت ، ونظرت نظرة شوق إلى الحارة ، كان الوقت أواسط أيار ، وكان الجو غائماً وكأننا في فصل الشتاء ، فصل الدوام والدراسة ، لكنني ، وعلى الرغم من ذلك الجو الذي يماثل اًجواء أيامنا المدرسية ، فأنا .. لست مرتبطاً بمدرسة ، لست مرتبطاً بدراسة !!.
لا أنكر أن الطقس شتائي ، بسحبه المتلاحقة ، ومظهره الكئيب، لكن .. أنا في عطلة ، عطلة حقيقية ، عطلة طويلة لن تنتهي بأيام معدودة ، عطلة تنير الجو، وتبدد الكآبة، وتزيح انقباض النفس !!.

د. موفق أبو طوق

المزيد...
آخر الأخبار