لم أستيقظ هذه المرة على صوت فيروز الملائكي، حيث كان أبو الفضائل يطرق بابي على عجل، وينادي بصوته العالي: «افتحلي الباب» فتحت دخل وألقى تحية سريعة وقال : لا أريد شرب المتة أو القهوة أو الشاي، لأني أريد التخلي عن الضيافة التي هي من شيمنا، وذلك لارتفاع أسعار كل شيء إلى حد الجنون، وكما يقول المثل: «صديقٌ مُخسر، عدوٌ مبين»، نظر إليّ قائلاً: لا تستغرب، فلم يبق لي أدنى قدرة على استيعاب ما يحدث في الأسواق، حيث لم يعد همّنا الأساسي ارتفاع الأسعار، بل همّنا استقرارها في حدودها العليا، فهي تشبه ضغط أم الفضائل، دائماً في سباق إلى الأعلى، يا رجل، السلعة الواحدة يرتفع سعرها خلال أيام قليلة، تذهب اليوم لشراء ما تحتاجه، فيصدمك البائع بسعر لامعقول، تعود بعد يومين فحسب لشراء نفس الحاجة، فيصفعك بسعر آخر، أكثر شراسة وأكثر ارتفاعاً، تخلينا عن مستلزمات كثيرة، لنتابع زحفاً مع الراتب حتى منتصف الشهر، لكن حتى الزحف لم يجد نفعاً، ومع مهارتي بمادة الرياضيات، أثناء دراستي الثانوية، لم أعد أستطيع إجراء تفاضل أو تكامل في الأسعار، أو ضبط العلاقة العدائية بين الراتب والسوق، فأحياناً نرضى مجبرين بشراء سلع قليلة الجودة، وقبل اعتيادنا عليها، تصبح هي غير راضية علينا، فتكشر عن أنيابها وتركب جناحين وتطير، أي «رضينا بالبين، والبين مارضي فينا».
شريف اليازجي