على صفاف العاصي : السنديان…

يضرب المثل بالسنديان لصلابته وقوته وتجذره في أعماق الأرض ويضرب المثل (بالرخويات) لميوعتها وصعوبة الإمساك بها لانسيابها من بين الأصابع كل ما استنفرت يد الإنسان في الدفاع عن الحق أو الوقوف مع المظلوم لأخذ حقه من الظالم. والسنديان يبقى باسقاً قوياً تكثر العواصف على أغصانه بينما (الرخويات) تفرش الأرض بأجسامها للنمل والحشرات وهي مسرورة بفعلها هذا لأنها تعيش بلا عظام وفقرات لا فرق بينها وبين الغطاء النباتي اليابس في فصل الخريف، إذ لاعتب عليها أبداً لأنها خلقت على هذه الشاكلة وتلاقي لها أسواقاً رائجة حيث لا لون لها ولا طعم ولا رائحة .وإن السر في رواج بضاعتها والتفتيش عنها كونها ترضى بأي شيء يقدم لها ولا تمانع فيما يطلب منها وهذا مايجعل غيرها مسرورين منها مادامت لا تعكر صفو مزاجهم ولا تشغل تفكيرهم بأمور تحتاج إلى علم، وعمل فالسنديان يتعرض دائماً إلى العواصف والأعاصير لا لشيء إنما كونه من النوع الصلب الذي لا ينحني بينما الأشجار الأخرى وخاصةً التي تزرعها أيدٍ خائفة ومرتجفة تراها تهوي وتتكسر في بداية هبوب أول نسمة من رياح الشتاء، أما الرخويات تنسجم وصغار من الرجال لأنها من الفصيلة نفسها إذ إن الأشجار المثمرة هدف دائم لحجارة الصغار. ماسمعت يوماً أن الأطفال يرمون بحجارتهم أشجاراً جرداء يابسة ولا سمعت يوماً إن الرخويات تجابه السنديان في قوته أو تجذره كونها لا ترتفع عن وجه الأرض فهي عاجزة حتى عن الوقوف متعودة على الزحف البطيء الذي لا يحدث أصواتاً تزعج الآخرين ليكتب لها طول العمر راضية بعيشها الذليل هذا متخذةً من الأفاعي فحيحها ونعومة ملمسها ولكنها عند التقلب في أنيابها العطبُ، وإذا ماتعذر على (الرخويات) انحناء السنديان لا بد من التحريض على قطعه والتخلص منه وتحويله إلى حطب حتى إذا أصبح حطباً يفيد الفقراء في إنجاز رغيف الخبز الناضج وإشعال المواقد التي يتدفأ على نارها المتعبون في ليالي الشتاء الباردة، وهذا مايذكرني بطبيب إنساني ترك وصية له قبل مماته يقول فيها: أرجو أن تتركوا جسدي بعد مماتي لإجراء التجارب الطبية عليه لطلاب الطب لأفيد وطني في حياتي وبعد مماتي.. هذه سمات السنديان الذي لاينحني رغم الداء والأعداء.

أحمد ذويب الأحمد

المزيد...
آخر الأخبار