لمْ يشغلِ الأدباءَ والنقّادَ عبرَ العصورِ المُتتاليةِ مصطلحٌ اختلفوا في تعريفه كما اختلفوا في تعريف الشِّعر, فمنذ قرونٍ عديدة عرّف أرسطو الشِّعرَ بأنّه فنُّ المُحاكاة .. ويكون ذلك بغريزة حبِّ الوزنِ والإيقاعِ والموسيقا .
كما عرّف اليونان الشعر بأنّه عربة يجرها حصانان العاطفة والخيال ويقودها حوذيّ ماهر هو العقل. وجاءت بعده تعريفاتٌ كثيرة يقتربُ بعضُها من تعريفِ أرسطو أو يبتعد قليلاً, لكنَّ أغلبَ منْ عرَّفوا الشعرَ كانَ تعريفهم كلاسيكياً حينَ قالوا: ( هو كلام موزون مقفّى له معنى ) وهذا التعريف استمده النقَّاد من النَّماذج الشِّعرية التي تناقلوها من العصرِ الذي سبق الإسلام مروراً بالعصرِ الإسلامي والأموي والعبّاسي حتّى مطلعِ العصر الحديث الذي أطلقوا عليه تسمية عصر النَّهضة .
إلاّ أنّ الاتِّصال مع الغرب والمذاهب الفنية الغربية التي تمردت على الشَّكل التقليدي للشّعر, وتأثّرَ بها الشُّعراء العرب, فظهرت نماذجٌ شعرية كالشِّعر الحرّ أو المُرسل الذي اتخذَ التفعيلة طريقاً لكتابة الشعر, متجاوزاً وحدة القافية التي كانت سائدة في الماضي .
كما ظهر شعراء كتبوا نصوصاً نثرية أطلقوا عليها تسمية (قصيدة النثر ) ومنهم من تأثر بالشعر المترجم عن الفرنسية وغيرها ..وصار هؤلاء يؤسّسون لشكل من الشعر يتجاوز الوزن والقافية بشكل كامل .
وبذلك ظهرت تعريفات جديدة للشعر, إذ يعرّفه الدكتور إحسان عباس بأنه تعبير إنساني فردي يتمدد بظلّه الوارف في الاتجاهات الأربعة ليشمل الإنسانية جمعاء.
وقد عرّف الناقد المرحوم الدكتور محمد مندور الأدب ومن ضمنه الشعر بأنّه كلّ مايثير فينا العاطفة والإحساس بالجمال.
وهذه التعاريف الحديثة لا ترسم شكلاً محدداً للشعر وهي متأثرة بعلم الجمال الغربي الحديث الذي أسسَ له الفيلسوف الألماني (عمانوئيل كانت) والذي يرى أنّ الإحساس بالجمال غاية الأدب ومن خلاله تتحقق الغايات الأخرى .
غير أننا وحرصاً على تقييد أي عمل أدبي بسمات وخصائص تميّزه عن غيره من الأجناس الأدبية الأخرى رأينا أنّ الشعر هو تعبير فنّي بالكل.
فائق موسى