كان طموحاً غاية الطموح في أن يكون ذا شأن علمي مرموق , آملاً أن تنهض به الشهادات العليا ــ التي سيحصل عليها ــ من واقعه الاجتماعي والمعيشي السيئ إلى واقع آخر فيه كل ما يحلم به .
لقد تكلل الاجتهاد المتواصل، والسعي الحثيث والعمل الدؤوب, بثمرة النجاح, وتلك الشهادات, ولكن الهدف الثاني ذهب أدراج الرياح, فلم يكن لذلك النجاح وتلك الشهادات المردود المادي والموقع الاجتماعي الذي تصبو إليه نفسه، كما لم يكن لمقالاته وبحوثه وكتاباته التي يسهر عليها الليالي ويبذل فيها الجهود المضنية, تلك الجدوى التي كان يحلم بها، تذكر حال من أدركته حرفة الأدب، وقول الأخطل الصغير :
مُتْ إذا شئت أن تكون أديباً
أو فبَدّلْ بغير لبنان دارا
وتذكر ما كتبه صديق طفولته العزيز على قلبه في إحدى مقالاته بأن وقتنا هو وقت علاقات ومصالح ومن غيرها لايمكن للتفوق, والنجاح, والمؤهلات العالية أن تحقق شيئاً من الأحلام التي ما برحت تعشش في مخيلته، كما تذكر بيتاً حفظه من قصيدة كتبها أحد العلماء في مقدمة أحد الكتب التي درسها في المرحلة الجامعية الأولى , وهو :
الفخر بالعلم, لا بالجاه والمال
والعز بالجد, لا بالجدّ والخالِ
فأدرك أن هذا الكلام فيه من المثالية الشيء الكثير, أو أن زمان الشاعر غير الزمان الذي نحيا فيه، لأن الفخر الآن بالمال والجاه, وليس بالعلم، وحلم، وحلم، وحلم، وحلم ألا يكون حاله كحال أحد علماء بلده في زمن مضى, الذي عانى شظف العيش حتى رق عظمه, وتقدمت سنّه, ولم يبتسم له الزمان إلا وهو قاب قوسين أو أدنى من الموت فقال: ( عندما عشنا متنا، فهل يتحقق له ما يريد؟ أم يبقى كل ما تصبو إليه نفسه أحلاماً مؤجلة؟ .
د. موفق السراج