يتكونُ النَّقد الأَدبيُّ مِنْ مُكوِّنين رَئيسينِ هُما الشُّعورُ والتَّعبيرُ, وعند الحديث عن هذينِ المُكوِّنين, عَلينا الفصلُ بينهُما, حتَّى نستطيعَ استجلاءَ كلِّ مفهومٍ منْهُما, معَ أنَّ الفصلَ هوَ فصلٌ نظريٌّ, أمَّا منَ النَّاحية العمليَّة فهُما متَّحدانِ يسيرانِ في خطَّين مُتوازيين في كلِّ عملٍ أَدبيٍّ, فكِلاهما يَرتبطانِ وُجوداً بشكل حقيقيٍّ, فالشُّعورُ والتَّعبيرُ لا يظهرانِ إلاَّ مُتَّحدَينِ, ولا يمكنُ دراستُهما كَما تُدرسُ علومُ الطَّبيعةِ والفيزياءِ, وَهُنا تكمنُ الخطورةُ في الفصلِ بينَهما, لأنَّ العملَ الأدبيَّ وحدةٌ تامَّةٌ لا يمكنُ كشفُ مُكوِنَيها, بعزْلِ أحدِهما عنِ الآخرِ, وَهُنا يقفُ النَّقد موقفاً صعباً عندَ دراسةِ أيِّ عملٍ أدبيٍّ, فالشَّكلُ التَّعبيريُّ هوَ ثمرةُ انفعالٍ بالتَّجربةِ الشُّعوريَّةِ, والشُّعورُ هوَ ما يَستطيعُ التَّعبيرُ أنْ يصوِّرَهُ وينقلَه إلى المُتلقِّي الآخرِ .
الشُّعور والتَّعبير
أ- ما هو الشُّعورُ ؟ وما هي المشَاعرُ؟
تَتباينُ مشاعرُ النَّاس تبايناً كاملاً, مَهما تشابَهتْ أَشْكالُهم, فالكونُ لا يقتصرُ على الماديَّاتِ, بلْ يمتدُّ ليشملَ المعنوياتِ, ومَهما تشابهَتِ الماديَّاتُ, فإنَّ الاختلافَ يكونُ في المعنوياتِ. والأديبُ وخاصَّة الشَّاعرُ,هوَ النَّموذجُ الممتازُ بينَ البشرِ. ولذلكَ يعملُ النَّقدُ الأدبيُّ على ملاحظةِ التَّنوُّعِ والتَّفرُّدِ في عالمِ الأديبِ, والطَّابعِ الذَّاتيِّ الَّذي يكوِّنُ هذا المخلوقَ المُمتازَ الَّذي يُدعى الأديبُ أَو الشَّاعرُ.
يختلفُ الأديبُ عنْ غيرِه في أنَّه نموذجٌ خاصٌّ لهُ صبغةٌ ذاتيَّةٌ تميِّزُهُ عنْ غيرِه. سواء في طريقةِ التَّعبيرِ أو في بثِّ المشاعرِ, ويرتبطُ تناولُ الموضوعِ عندَ الأديبِ بوحدةِ التَّعبيرِ والشُّعورِ, ينقلُنا الأديبُ منْ خلالِه إلى عالمِه الخاصِّ, الذي يرسمُه, فتتحدَّدُ سماتُ كلِّ عالمٍ وطبيعتِهِ وخصائصِهِ وخصائصِ الأديبِ نفسِهِ.
ب- التَّعبير: لا نستطيعُ أنْ نمارسَ النَّقد الأدبيَّ إلاّ إذا تجسَّدَتِ التَّجربةُ الشُّعوريةُ لدى الأديبِ في عملٍ أَدبيٍّ, بصورةٍ ماديَّة هي الصُّورةُ اللُّغويَّة (الألفاظ والتَّراكيب) وهما أدواتُ الأديبِ, أوِ الصِّيغة التَّعبيريَّة بكلِّ مُكوِّناتها. فالتَّعبيرُ هوَ البوتقةُ الَّتي يُصَبُّ فيها الشُّعورُ, وَتتجسَّدُ فيها التَّجربةُ الشُّعوريَّةُ, وهذهِ علاقةُ تعايشٍ تامٍّ, إذْ لا تجربةٌ شعوريَّةٌ منْ غيرِ صيغةٍ تعبيريَّةٍ, وَلا صِيغةٌ تعبيريَّةٌ منْ غيرِ تجْرَبةٍ شُعوريَّةٍ.
إنَّ دراسَةَ وظيفةِ التَّعبيرِ لا تقتصِرُ على الدَّلالاتِ المَعنويَّةِ للألفاظِ والعباراتِ, فهناكَ مُؤثِّراتٌ أُخرى وعواملُ أُخرى مُكمِّلةٌ للتَّعبيرِ, لايمكنُ تجاهلُها, يأتي على رأسِها الصُّورةُ والخَيالُ الفنيُّ والمجازُ اللُّغويُّ والعقليُّ, والموسيقا والتَّزيينُ اللَّفظيُّ, وهذهِ العواملُ تجتمعُ في العملِ الأدبيِّ بصورةٍ مُتكامِلةٍ ومُتناسقةٍ لانفورَ فيها ولااضْطِرابَ.
فائق موسى