لم يمض وقت طويل على مبادرة التجار والصناعيين في دعم الليرة عبر إيداع مبالغ أو تصريف مبالغ بالقطع الأجنبي في مصارفنا العامة ، حتى قام عدد كبير منهم برفع الأسعار ما أثر سلباً على القدرة الشرائية لليرة في وقت كان ينتظر منهم الاكتفاء بهوامش ربح منطقية وليس زيادة الأسعار بشكل مزاجي .
في قراءة لواقع السوق والمتغيرات التي فرضها تبدل سعر الصرف مؤخراً نجد أن الحكومة حددت أسعار ثماني سلع أساسية لأول مرة بعد سنوات طويلة من تحريرها لأسعار معظم السلع والخدمات ، إذ إن تحرير الأسعار عادة يتم في ظروف الوفرة وفائض الإنتاج خوفاً من الكساد، بحيث يتم التنافس بين التجار والمنتجين لتسويق الإنتاج بينما تحديد الأسعار يتم في ظروف قلة الإنتاج أو الحصار الاقتصادي الخارجي الجائر وقلة الموارد حتى لا يتم الاحتكار والاستغلال بحكم الحاجة .
كما أن وزارة التجارة الداخلية تشددت في موضوع العقوبات للمخالفين ووصلت العقوبات إلى إغلاق المحال المخالفة .
بينما عززت دور المؤسسة السورية للتجارة وأعادت توزيع السلع الأساسية على البطاقة العائلية واستنساخ تجربة ( البطاقات التموينية ) التي أثبتت جدواها سابقاً .
والملاحظ أيضاً هو عدم تقيد الكثير من التجار بالأسعار التي تم تحديدها وتبادل الاتهامات والمسؤولية ما بين المستوردين ( التجار الكبار) وتجار الجملة وباعة المفرق في تقاضي أسعار زائدة وانتظار مديريات حماية المواطن حتى يتقدم بشكوى مع أن المخالفات تتم نهاراً وعلى مرأى من مراقبي التموين الموجودين بالأسواق أصلاً بصفتهم مواطنين وموظفين بينما لم تترسخ ثقافة الشكوى لدى المواطن ( الحلقة الأضعف) إما لتجارب سابقة في الشكوى وعدم الجدوى منها أو لعدم رغبته في أن يكون بالواجهة مع تجار قد يعرضونه للأذى أو لاعتبارات أخرى ابن القرية أو الحارة أو بدوي يسترزق ( خلي غيري يشتكي ).
واللافت أيضاً أن عدداً من التجار يرفعون الأسعار عندما يرتفع سعر الصرف ولا يخفضونها عند انخفاضه ، وهذا غير مقبول بكل الاقتصاديات المغلقة والمفتوحة وظروف الوفرة أو الندرة خاصة أن التجار اشتروا موادهم وفق أسعار الصرف القديمة ، ومن الطبيعي أن يبيعوا وفق تلك الأسعار حتى نفاذ الكمية وليس استغلال ذلك .
كما أنه من المفروض أن يخفضوا أسعارهم عندما ينخفض سعر الصرف إلا أن ذلك لا يحصل أيضاً ( التاجر رابح في كل الحالات صعوداً وهبوطاً ) وهذه حالة خاصة بتجارنا .
أخيراً .. إن ضبط الأسعار بالأسواق مسؤولية مشتركة للجميع من تاجر وصناعي ومواطن وحماية المستهلك والمؤسسة السورية للتجارة للحفاظ على القدرة الشرائية لليرة والمواطن والوطن وكبح ارتفاع سعر صرف الدولار .
عبد اللطيف يونس