لا نريد في هذا المقال أن نكتب عن الجداول، وخرير مياهها والأزاهير وأريجها، والشرفات في الصباحات الجميلة وارتشاف القهوة في حضرة الياسمين، أو عن العصافير وزقزقتها، أو عن الغوص في خيالات لا نهاية لها، أو عن صيد الشحارير في الدوح التي تنتقل بين أغصان أشجاره الكثيفة، أو عن الجلوس في منتديات الشعر الحديث الذي لا يتقيد قارضوه بالقوافي الموزونة، والذي لا يعرف معانيه إلا أصحابه معتقدين أن التواري وراء الرموز أسلم وأكثر أماناً… قال لي صاحبي: عما ستكتب؟ أكتب ياصاحبي عن أمر هام يلامس كل إنسان في العالم، أكتب عن الإنسان الذي لا يكلفك عناء في الإدارة فهو لايناقش، ولا يجادل، ولا يسألك عن الطريق إن كان وعراً أم سهلاً، فهو إنسان مطواع يعيش طويلاً وخاصة في ظل من هم أضعف منه علماً وثقافة…
قال صاحبي: والله لقد حيرتني كيف تدير من هو أضعف منك وبالتالي تقول إن الذي يديره هو أضعف منه، حلل لي هذه المعادلة التي لم تدخل فكري أبداً… ياصاحبي: ليس كل من يجلس على كرسي الإدارة مديراً، فربما تهيأت ظروف لأحد الناس فأصبح في موقع المسؤول فهذا لا يعني أنه يدير من خلال موقعه لأن من يديرهم لا يناقشونه ولايسألونه أبداً، لا يعرفون من الحياة إلا عدة كلمات/حاضر-نعم-أمرك-على رأسي/ فماذا يستفاد من هؤلاء وأولئك، إنهم أصفار في معادلة الحياة التي هي (حوار ونقاش وإنتاج) لذلك فإن هؤلاء مسلوبو الإرادة ليس لديهم أية قيمة أخلاقية يمكن أن يقاتلوا من أجلها، فعندما نقول: من لايكون مديراً صاحب قرار جريء لايستحق أن يكون مديراً.
وليتنا جميعاً نعي ونلتزم بما قاله السيد الرئيس بشار الأسد رداً على سؤال صحيفة: (أن يكون لي رأيان مختلفان أفضل من أن يكون لدي شخصان برأي واحد).
فالحراك الثقافي والفكري لا يمكن أن يتأتى دون احترام الرأي الآخر والقدرة على تقديم الأجوبة المنطقية والموضوعية التي تقنع الآخرين، ولامانع إذا وجدت أفكار مفيدة للوطن أن يؤخذ بها حتى من الذين يختلفون معك في الرأي، ولا يعني أبداً أن يكون رأي المسؤول صحيحاً دائماً، لكن الانتهازيين والمدّاحين والمتزلفين يحجبون الحقيقة عن المسؤول ويصرون على أن رأيه هو الأصح، هنا يكمن الخطأ الذي لا يمكن أن يزول إلا بزوال طابور المتزلفين وهذا أمرٌ جدُّ سهل عندما يكون هناك تفاوت بين مدير نمطي ومدير صاحب قرار وهذا التفاوت في الإرادة والعلم.
الثقافة عندها يرحل كل من لا يرى في نفسه الأهلية، وهناك آلاف الصيغ والأساليب التي تكشف المنتج وتشير إلى المقصر في المجالات كافة وهذه ليست مواعظ ولكنها الحقيقة التي يجب أن تكون واضحة كالشمس.
أحمد ذويب الأحمد