كل عام وأنتم بخير ..قالها صديقي في أول يوم من العام الجديد ..قلت: وأنتم والوطن وأهله الكرام الطيبين بألف خير ..
كل عام وأنتم بخير ..ما أجملها من عبارة ، وما أصدقها من تعبير ..تتردد على ألسنتنا في كل عيد ، فنشعر بالبهجة تغمر نفوسنا ، وتنبض بها قلوبنا ، وتحيي في جوانحنا الأمل بانتصار الخير على الشر ، وهزيمة الباطل أمام الحق ، وتقهقر الظلام أمام فجر النهار وشمسه الساطعة ..
قال لي : ماذا تتمنى في العام الجديد ؟ قلت : أتمنى أن يعود وطني سليماً معافى مما أصابه من محنة مؤلمة عصفت به منذ سنوات ، واكتوى بنارها الكبير والصغير على حد سواء ..وأن تعمّ السكينة كل شبر من وطننا الحبيب ، ويعود إليه الأمان والسلام اللذان كان ينعم بهما قبل هذه المحنة التي أطلقوا عليها ( الربيع العربي ، وكان الأولى أن تسمى ( الجحيم العربي) ، لأن الشعب العربي لم يجنِ منها إلا القتل, والخراب, وسفك الدماء ..
قال صاحبي : هل ترى ذلك ممكناً ؟ قلت : ولمَ لا؟ قال : كيف ؟ قلت : إذا سادت روح التسامح ، والمحبة، وعاد الجميع إلى حضن الوطن بعد أن ذاقوا مرارة الغربة ، والهوان ، وشظف العيش في البلاد العربية، والأجنبية ..ولايعرف قدسية كل ذرة تراب في وطنه إلا من غادر الوطن ، وأقام في بلد آخر ..
وبالعمل المتواصل الدؤوب، والتكاتف بين الجميع , والتخلي عن المصالح الشخصية , وحب الذات , واختراق القانون, يُبنْى الوطن , ليكون أقوى وأجمل …
والحياة دائماً ياصديقي أقوى من الموت …وأذكر هنا , قصة حطّاب فقير أدركته الشيخوخة وهو مضطر للعمل , فدعا ربه أن يخلّصه من هذه الحياة الشاقة القاسية التي أرهقته .
وما هي إلا دقائق حتى أتاه ــ عزرائيل ــ بثياب رجل , وقال له : إنك خاطبت ربك وطلبت منه الموت, وأنا عزرائيل أرسلني إليك فماذا تريد ؟ تلعثم الرجل ثم قال :
لا شيء لا شيء أريدك أن تحمّلني حِمْلَ الحطب .
وكي يكون الوطن دائماً بخير …أتمنى أن يتحقق عند كل مواطن ما تمناه الفيلسوف ( بندار ) بقوله : أتمنى أن أسير كل حياتي في طريق الحقيقة , والقداسة ، والنقاء حتى لا أترك لأبنائي عند موتي اسماً ملوثاً .
إن بعض الناس يشتهون الذهب , وبعضهم الآخر يتمنون الغايات العريضة الواسعة, أما أنا فأتمنى أن أنزل إلى ساحات الإنسانية , لأثني على من يستحق الثناء , وأوجّه التأنيب للفاسد المسيء الذي يستحق الهجاء .
وكل عام وأنتم والوطن بألف خير .
د. موفق السراج