كنت بحديث مع صديق أديب وروائي حول هذه النقطة..وتساءلت عن تلك الطاقة المهيبة التي يمتلكها هذا المبدع وقدرته على امتلاك اللحظة وإيقاف الزمن عندها ووضعها قبالته على طاولة البحث والإبداع وتحسس حيثياتها ..
هذا المبدع الحقيقي سواء كان شاعراً أم فنانا تشكيلياً أم روائياً عظيماً والذي قدّم للناس فنه وإبداعه ومتّعهم بعوالم روحه وفكره وقلبه ..هذا المبدع الذي فتح أبواب الحياة ونوافذ النور وأطلق كل ما لديه من أقمار وشموس ومضى يمشي وعلى مرأى القرّاء في حقول النور والضوء ..يفجر ينابيع الدهشة والرؤية حيناً، ويهدهد أسراب حمامات ريف يحوم حول بيادر من هديل ..الخ
والسؤال الكبير: كيف لهذا المبدع الذي منح المتلقي ومن مختلف الجنسيات وبكل اللغات مفردات الفرح والأمل وعشق الحياة ..كيف له أن يعجز عن فتح كوة صغيرة في جدران حياته ليرى من خلالها بهاء الله ويستنشق عبير الأرض التي عليها ما يستحق الحياة؟!
ويتعزز لدينا هذا الرأي حين نعود إلى تصفح أسماء الأدباء والمبدعين الذين انتحروا وما كانوا يشغلونه من حيّز مهيب وبهيّ في الحراك الثقافي العالمي وسأذكر هنا غير مثال أمام القارئ علّنا ننجح معاً في وضع تصور ما لتلك الحالات المتكررة تاريخياً :
الروائي العالمي الأمريكي أرنست همنغواي / 1899-1961/ والحائز على جائزة نوبل للأدب عام 1954 عن روايته المشهورة (العجوز والبحر)، وصاحب العمل الروائي المعروف أيضاً (لمن تقرع الأجراس) إذ فجّر رأسه برصاصة أطلقها من مسدسه في بيته في الثاني من شهر تموز عام 1961 وهو في قمة الشهرة والمجد
الأديبة الإنجليزية فرجيينيا وولف والتي انتحرت في 28 آذار 1941 بعد أن أنهت روايتها الشهيرة المعروفة أيضاً ( بين الأفعال) إذ ارتدت معطفها وملأت جيوبه حجارة ومشت في بطن نهر (أوس) القريب من منزلها وغرقت بالنهر وبقيت جثتها فيه أسابيع.
الكاتب والشاعر الروسي الشهير فلاديمير مايكوفسكي /1893-1930/ إذ قام بإطلاق النار على نفسه بمسدسه في 14 نيسان 1930.
وثمة شعراء وأدباء عرب أيضاً شغلوا ما شغلوه من حيز يطفح بالألق والشعر والمحبة مارسوا هذا الفعل العجائبي منهم على سبيل المثال عبد الباسط الصوفي، والشاعر المعروف خليل حاوي /1919-1982/الذي كان يؤمن بما كان يسمّى بالإحياء العربي، إذ لم يستطع تحمّل ما قامت به قوات الاحتلال الإسرائيلي من غزو للبنان عام 1982 ففجر رأسه برصاصة من بارودة صيد .هي حالات انتشرت بين صفوف المفكرين والأدباء فاستوجبت الدراسة والبحث من قبل علماء النفس والكثير من الباحثين مستندين في الدراسة على منهج التحليل النفسي لفرويد ونيتشه وغيرهما ، ما يمكن قوله : إن الذات المبدعة امتلكت جرأة مهيبة إذ جرّت الموت من طرف ثوبه وقادته إلى سريرها، ومما لاشك فيه أيضاً هو أن حياة المبدع ملك للناس كل الناس.
عباس حيروقة