دار نقاش طريف, وحوار جميل ومفيد في مجلس من مجالس الأدب ضم لفيفاً من المثقفين والمهتمين بأمور الثقافة حول عيد الحب الذي يأتي كل عام في الرابع عشر من شهر شباط, وقد بدأ الحوار بقول أحدهم: إن هذا العيد أتانا من الغرب, ونحن نـأخذ من الغربيين القشور, والعادات الفاسدة, ثم نقوم بأدائها وتطبيقها على أنفسنا, وهذا من آثار غزوهم الثقافي لنا، وهيمنتهم علينا, فما لنا وهذا العيد؟!!! ولماذا نقلدهم تقليداً أعمى كتقليد الببغاوات؟!!
قلت: أمَّا أن (عيد الحب) هوعيد حدَّده الغربيون, فذلك أمر صحيح لاغبار عليه، وأما أننا يجب أن نرفضه لأنه أتانا من عندهم، فهذا ينبغي ألا يكون ، لأن الحب عاطفة نبيلة سامية تحتوي الفضائل الرائعة كلها, فلماذا نرفض هذا العيد؟ وما الضرر الذي سيصيبنا إن أكَّدنا في هذا العيد على ضرورة أن يحب بعضنا بعضاً, فيسود التسامح والتعاون والإخاء, ويختفي الحقد والتشرذم والأنانية والبغضاء, فيكون مجتمعنا قوياً متماسكاً ينعم بالسعادة والهناء, أليس هذا أفضل؟ ثم ما رأيك أن نرفض التقدم العلمي للغرب, وما يقدمه لنا ولغيرنا من منتجات متنوعة لانستطيع إنتاجها، هل هذا برأيك أجدى وأنفع؟
قال صاحبي: يبدو أنك متعصب للغرب, وتهوى أي شيء يقوم به الغربيون.
قلت : لا، ليس موقفي من (عيد الحب) , هو موقف المتعصب للغرب , بل موقف الذي يأخذ منه النافع والمفيد لنا ولشعبنا ووطننا وأمتنا.
ثم من قال لك إن الحب وعيد الحب هو خاص بالغرب؟ إن الأديان السماوية التي نزلت في بلادنا أكدت كلها على التمسك بالحب، ونبذ الكراهية والحقد والبغضاء. وهذا ماعُرِف به السيد المسيح الذي أحب أعداءه والمسيئين إليه, وكان متسامحاً معهم إلى أبعد الحدود.
ورسولنا الأكرم الذي أُثِر عنه محبته لجاره الذي كان يرمي كل يوم أمام داره قمامته, وحين لم يجد ذات يوم تلك القمامة , سأل عنه فقالوا له:
إنه مريض, فذهب إلى بيته ليطمئن عنه, وقد قال في الحديث الشريف (لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه).
والتراث العربي حافل بدعوة الناس للمحبة, وبيان أثرها العظيم على الناس, والمجتمع, وكذلك شعرنا المعاصر تناول هذه العاطفة النبيلة، ودعا الناس إلى التمسك بها, لأن الحب هو بداية الطريق لمعرفة الخالق العظيم, ومن ذلك قول الشاعر الكبير إيليا أبو ماضي:
إن نفساً لم يشرق الحب فيها هي نفسٌ لم تدر مامعناها
أنا بالحب قد وصلت إلى نفسي , وبالحب قد عرفت الله
وقول هذا الشاعر أيضاً في قصيدته الشهيرة الجميلة :
أيقِظْ شعورَك بالمحبة إنْ غَفَا لولا الشعورُ الناسُ كانوا كالدُّمى
أحْببْ فيغدو الكوخُ قصراً نيِّراً وابغضْ فيمسي الكون سجناً مظلما
لو تَعشَقُ البيداء أصبح رملها زهراً , وصار سرابُها الخدَّاعُ ما
لاح الجمالُ لذي نُهى فأحبَّهُ ورآه ذو جهلٍ فظَنَّ ورَجَّما
د. موفق السراج