الوطن يبنى بسواعد أبنائه ويزدهر بعقولهم النيرة . هذه حقيقة لا يختلف حولها أحد . وفي عيد المعلم العربي لا يسعنا إلا أن نرفع القبعة تحية وإجلالاً لذلك الإنسان الذي ينشئ الأنفس والعقول بإخلاص .
ويرى الطلاب أمانة في عنقه لا يجوز التفريط بها أو التقصير نحوها في أداء الواجب .
وأعتقد جازماً بأن مهنة التعليم من أشرف المهن وأعظمها قدسية على الإطلاق وكيف لا والأنبياء والرسل كانوا أول المعلمين للناس على مر العصور والأزمان ؟
فرفعوا من شأنهم بإنارة عقولهم نحو طرق الهداية والصواب، وكان ولاة الأمر من الخلفاء والأمراء يقدرون المعلم حق قدره ويجزلون له العطاء ومما روته الكتب أن الخليفة المأمون كان قد أوكل تعليم ولديه لأحد علماء عصره وهو أبو زكريا الفراء الإمام الحقيقي لمذهب أهل الكوفة في النحو، وبعد أن أتم درسه نهض لينصرف فتدافع الولدان على حذائه ليقدماه له وأمسك كل منهما بفردة وأبدى هذا العالم خجله للخليفة الذي لم يكن منه إلا أن تبسم وأظهر إعجابه من سلوك ولديه قائلاً : لا يعرف فضل أهل العلم إلا أهل الفضل .
وتعود بي الذاكرة إلى سنوات طويلة خلت حين كنت طالباً على مقاعد الدرس . فأذكر أني وزملائي كنا نتحاشى أن نصادف أستاذنا في الطريق خجلاً وتقديراً وإجلالاً . فالهيبة التي كنا نراها فيه والمنزلة الرفيعة العالية التي كان يتربع عليها شيء لايمكن أن تنساه الذاكرة بمرور السنين والأيام وقد رسم الشعراء في قصائدهم هذا المعلم الذي يقدم أقصى ما يستطيع من جهد وعلم لطلابه ومن هؤلاء الأخطل الصغير الذي خاطبه بقوله :
رفعوا على شرف لــــواك ورعت عيونهم سماك
أحبيب هذا النـــــــــــــشء تسقيه على ظمأ دماك
رويته أدب الكـــــــــــــــلام يذوب فيه أصـــغـــراك
فمشى على سنن الهــــدى مترسماً فيه خطــــاك
بين المنابر والمحابـــــــــــــر ذاب ليلك في ضحاك
تشكو النجوم من الســــهاد وليس تشكو مقلتــــاك
أقول: إن ما ذكره الأخطل الصغير هو الصورة الحقيقية للمربي الذي كان يقضي نهاره ويسهر ليله من أجل طلابه . وقت لم يكن للدرس الخاص وجود في ذلك الزمن، ولم يكن المعلمون يقصرون بواجبهم نحو أبنائهم الطلاب من أجل أن يشرحوا ما تركوه في الدروس الخاصة التي صارت اليوم ظاهرة مزعجة تستدعي المعالجة ، ليأخذ الطالب حقه وتعود للمعلم هيبته التي كان يتمتع بها فالطلاب أمانة والمعلمون مؤتمنون عليها ولهم جميعاً أقول : كل عام وأنتم بألف خير.
د. موفق السراج