بعد أن أعاد الجيش العربي السوري الأمان والسلام إلى القرى والبلدات على طريق حماة السقيلبية قبل أعوام عدة انطلقنا في اليوم الأول للتحرير إلى تلك الربوع نطمئن إلى سلام الناس ونرنو إلى انطلاقة متجددة للحياة في المركز الثقافي في حيالين البلدة التي احتضنت أنشطة فكرية نوعية على مدى سنين طويلة قبل أن تمتد إليها يد الإرهاب الغادرة..
ورافقني في زيارتي صديقي مجد حجازي الذي كان طوال مسارنا يعب من المدى نظرات وكأني بعينيه حضن أم تكاد تلم ابناءها بين جفنيها خوفاً عليهم من داهم مؤرق، تركت لبصرنا وبصيرتنا أن تنهم من الاتساع الجميل على جانبي الطريق في ذهابنا نظرات مشتاق لحبيب طال بعاده، وفي العودة كان حديث الأمكنة والتاريخ بساط كلماتنا الذي يمتد طويلاً طويلاً وشاسعاً وربما كان حبنا لبلدنا الذي نتشاطره مع كثير كثير من الناس هو بوصلة المدى المترامي لثقافة الجغرافية والتاريخ ..هنا السقيلبية الموغلة في رحم الزمان ، والتي تحكي مجازاً صواب القول الشهير ( لكل امرئ من اسمه نصيب ) فدلالة الاسم تشير إلى القوة والمقاومة وربما العناد و هي تتسم بذلك ..
وحين وصلنا شيزر ، وكأني بامرئ القيس وصاحبه ولكن في ظروف متباينة تماماً وعلى الرغم من ذلك ردد صديقي مجد ( تقطع أسباب اللبانة والهوى
عشية جاوزنا حماة وشيزرا )
وبغتة كانت عيناه تتشبثان بالمكان و أنطقت عيناه لسانه : دعنا نقف هنا .. وكان الإرهاب قريبا لايزال يتهدد الموقع حيث نحن ، وحين ألح حنيناً ووجداً توقفت بسيارتي وكاد يهرول نحو أسوارها ، يمضي في كلماته وكأنما هو من أعلى حصون شيزر ، قال إنها حاضرة أسامة بن منقذ و وجعه حين عصف بمدينته وأهله ذلك الزلزال المدمر وقال يومها :
إلى الله أشكو روعتي لمنازل
خلت وجوى قلبي لأهل المنازل
كم ينسحب هذا القول على زلزال الإرهاب الذي عصف بأحبة ومساكن .. ومع وقوفه كالشاعر الذي يهيم بأطلال من يحب عرفت بأن صديقي أقام في هذه القلعة سنوات مشرفاً على ترميمها وإحياء تراثها و تاريخها .. وغادرنا صوب حماة و في الروح صرخات ألم مما حل بهذا التاريخ الأصيل ..
و هنا محردة مدينة السلام وأحرف نضرة من أبجدية الحضارة السورية ، و يتوقف البوح ولنا مع المكان والتاريخ حكاية وجد سنكملها في مسارات أخرى ..
سامي محمود طه