في القديم والحديث تحدث الشعراء والأدباء و الباحثون عن أهمية الكتاب وفضله ومزاياه ودوره العظيم في نشر العلم والثقافة , وإنارة العقول بهما, والقضاء على الجهل والخرافة اللذين يمثلان ألدَّ أعداء نهضة الأمم والشعوب, ورقيّ المجتمعات، ونشوء الحضارات.. ومن ذلك مانجده في كتب الجاحظ الذي قضى حياته بين الكتب .. وقد أصابه الفالج في آخر عمره, فكان مقعداً والكتب حوله.. وإذا بها تنهار عليه ليلفظ أنفاسه تحتها.. فكانت آخر مارأته عيناه.. وأما المتنبي فقد رأى الكتاب خير جليس للإنسان فقال :
أعزُّ مكان في الدُّنى سَرْجُ سابحٍ
وخيرُ جليسٍ في الأنام كِتابُ
وأمير الشعراء أحمد شوقي وجد فيه الصاحب الوفيَّ الذي لايغدر أو يخون كما يفعل بعض الأصحاب قائلاً:
أنا مَنْ بدَّل بالكتب الصِّحابا
لم أجدْ لي وافياً إلا الكتابا
والشواهد على ذلك كثيرة، والمقام لايتسع لذكرها.. وكلها أجمعت على أن الكتاب مؤنس للإنسان في وحدته، وعزاء للمرء في شيخوخته… وإنني أقول دائماً إن الكتاب من النعم العظيمة التي حظي بها القارئ الشغوف بالمطالعة , فلا يشعر بالفراغ أبداً .. هذا الفراغ الذي يشكو منه الكثيرون ممن لايقرؤون ولايحبون القراءة. فنراهم في حيرة من أمرهم.. ماذا يفعلون ؟ وإلى مَنْ يذهبون ليقضوا على فراغهم.. أو الوقت الثمين الذي يهدرونه دون فائدة.
ولكن الكتاب , ومن أسف شديد يعاني في وقتنا الراهن مايعانيه من ظلم على أيدي الشباب خاصة, والناس عامة، وذلك بإعراضهم عنه، وإقبالهم على ماتحتويه الشبكة العنكبوتية من مواقع مختلفة .. فيها الصالح والطالح, والحسن والقبيح .. فصار الكتاب بضاعة كاسدة لايشتريه إلا القليلون وأعني بهم الصفوة من المثقفين والعلماء والباحثين .. وصار المؤلفون والعلماء والباحثون في أزمة حقيقية أيضاً.. فطباعة الكتاب مكلفة جداً.. والمؤلف غير قادر على تغطيتها.. ودُورُ النشر الخاصة لم تعد تغطي نفقات الكتاب , أو تقدم للمؤلف ثمنه من خلال عقد يوقعه الطرفان كما كان سائداً في الماضي حين كانت سوق الكتاب رائجة.. وبقيت الجهات العامة هي وزارة الثقافة , واتحاد الكتّاب العرب .. ولكل منهما أُسُس معيَّنة في قبول الكتاب، وأتمنى أن تتسع لمساعدة المؤلفين في إصدار كتبهم, وإثراء البحث العلمي, ونشر الثقافة خدمة للوطن وللأمة في هذه الظروف العصيبة التي يعاني منها الوطن والأمة.
د. موفق السراج