في زحمة الأحزان والفقد والغربة والاغتراب ..في لحظات تكاثر وتناسل البؤس والفاقة ومآسي الزمان , وفي ضوء ما نعيشه من قلق في ما يتهدد رغيفنا وقوت يومنا في ضوء هذا وذاك ثمة ما يبدّد عتمة ووحشة هذا العالم وقبحه ..ثمة بارقات أمل وباقات ورد وضوء وقصائد تأتي بغير وجه وصفة وحال ..
لاشك أن أيام عيدنا لهذا العام مرت على غير ما كانت عليه من بهاء حتى في أعوامنا التعسة الماضية إذ لم نر تلك الملامح والقسمات البهية ملامح العيد حتى في أوجه الناس لا سيما الأطفال هناك ما هو أعمق من القلق يجثم قبالتنا وفي بؤبؤ أعيننا
رغم كل هذا كنا وما زلنا نصر على حقيقة وأحقية مقولة محمود درويش ( على هذا الأرض ما يستحق الحياة ) وتتاتّى هذه الحقيقة وتتعزز كما قلنا في غير وجه مما يزيدنا إيمانا ويقيناً بان القادم أجمل أو على الأقل :
أعلل النفس بالآمال أرقبها / ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
ومن أبهى الحالات التي قد نعيشها وتبعث الأمل في نفوسنا والهمة في أجسادنا على سبيل المثال :
– تأمل الأطفال حين صباح وهم ماضون إلى مدارسهم كالعصافير ..كم مشيت خلفهم أو بجانبهم مصغيا لأحاديثهم البريئة الطافحة بالغمام ..
– مواظبتي – وعلى مدار ثلاثين يوماً طيلة شهر رمضان – على إيقاظ أمي على تناول وجبة السحور وترقبها وهي تفتح الباب وتهطلني بابتسامات من حبق يانع لترفع عينيها باتجاه السماء تنظر تجاه قمر رمضان – هلال رمضان ..نجوم رمضان لتبدأ بالتراتيل القدسية ..أصغي لدعائها لي فيطير قلبي كأسراب حمام حول بيادر قريتنا وقت المغرب ..
– تأمل حقول القمح قبيل الحصاد ..سنابلها الضالعة بالشعر وبالموسيقا ..
حقول القمح وما تتركه الريح حين هبوبها من أصوات آلهة كنعانية ..سومرية.. بابلية تخالها (نينوى)
تأمل السواقي وتراقص الأعشاب على حوافها على إيقاع موسيقا المياه العذبة ومحاولة التدرّب على الإصغاء لحوارت تلك المفردات مع بعضها حين جهجهة الضوء
تامل مئات لا بل آلاف النحلات وهن يحيين كرنفالات جني رحيق حقول (اليانسون) ..الله ما تلك اللغة التي تتكلم بها هذه الكائنات المباركة ما نظامها الاجتماعي ..آلية عملها ؟؟!!
..مجرد أن نتفكر في عالم النحل فهذا يضعنا أمام حالات لا متناهية من الدهشة والرعشة
– أن تكون على شفى ظمأ مديد او مرض نفسي قادم نتيجة ما تحدثنا عنه آنفا ويهل عليك العيد على هيئة أصدقاء من عوالم شعر وماء ونور أصدقاء يمدون لك بساطا من أمل ويطيرون في سمائك اسراب كوس قزح ..أصدقاء ..ندماء القلق والرغيف وحقول قمح هدها لهب تهدد زغب روحها ..
أصدقاء من درجات أفلاك وكواكب واقمار ..تدور معهم في مدارات فضة الروح والحنين
– أن تنأى بنفسك طويلا متأملاً ..مصغيا ..حالما بقادم يليق بتربة مضرجة بعرق آباء وأجداد أسسوا لماهية إنساننا المعاصر
– ..الإنسان الذي ضحى بدمه اليوم في سبيل بقاء أسراب عصافير قرانا تزقزق كل صباح وأقمار المغرب تنير وجوه الأمهات اللواتي ينتظرن بالزغاريد عودة أبنائهن.
عباس حيروقة