الإنسان السويّ هو الذي يستنفر أفضل ما فيك، وهو القادر على طرد الغبار عن قنديل روحك ليشعّ عليك وعليه وعلينا..
لكنْ.. أين نجد هذا السوي المعافى اليوم، ونحن نتخبط في لجج من العلل والأدواء..؟ ولا حاجة بي لتعدادها أو الإشارة إليها، فالكل متخم بحضورها الكثيف.. وكم من العمر نحتاج حتى نحظى بصحبة هؤلاء المستبشرين الذين أتقنوا أبجدية الحياة، وحفظوا عن ظهر قلب وعين وروح نواميسها، فتعالوا على بثورها وثآليلها وعقدها..؟ فالمعافى ليس من نجا من الكورونا وأخواتها وحسب، بل ذاك المتفائل الذي يرى في كل محنة منحة.. وهو من أدرك أننا لا نحتاج من يمسك بأيدينا ويقودها لترى أمداء السواد التي تُجلّل عالمنا، ولا ينقصنا من يُعيد علينا النشرة الاقتصادية قبل الطعام وبعده، فالطبق المستلقي على موائدنا بكسلِ طفل محموم يقوم بالواجب وزيادة، فما أن تمدّ يدك نحوه حتى تظهر تسعيرته على وجهه كخبر عاجل مفجع، فإذا باليد الطامحة تنكمش وتعود أدراجها مخذولة مخزية.. فما حاجتنا إذن إلى المتجهمين النواحين الذين يُعزّزون كربنا ويستنفرون أبغض ما فينا..؟
أفئدتنا تحتاج من يبتسم لها، ويمسح على رؤوسها، وأرواحنا تتشوّف ابتهال النايات لا قرع الطبول.. فلنبتعد عن المتشائم أعور العقل سقيم الروح، ولنعاشر من تطفح وجوههم بالابتسام ولو كانوا على سغب أو يباس، فالحياة يصنعها المستبشرون وحسب.. فهؤلاء هم الفنانون الحقيقيون الذين يتقنون العزف على الأضلاع، فإذا بها تصدح بخير الكلام وأطيب الألحان.. هؤلاء من يمكننا تسميتهم بالبشر الأسوياء الذين ينظرون إلى الحياة بأعين واسعة وقلوب محبة، و يُجلّونها بكل تجلياتها وطقوسها.. بمدّها وجزرها.. بصحتها ومرضها.. بشبابها وعجزها، ولا يبذرون أعمارهم بالبكاء على أطلال ما كان والتفجع مما هو آتٍ، لا يهدرونها بشتمها وتعداد مثالبها.. فإن لم تكن (معلّم العمار) فلا تكن حفار القبور.
توفيقة خضور