من أقوال بعض الحكماء: الوطن تميته الدموع ،وتحييه الدماء، وهذا القول معناه واضح لكل من يسمعه أو يقرؤه ،أي إن الحزن والاكتفاء بذرف الدموع على وطن مستباح لن ينقذه مما أصابه من محن ومصائب وعدوان ،ولكن الذي ينقذه بكل تأكيد هو الكفاح والتضحيات وبذل الأرواح رخيصة في سبيل الوطن….الذي تتجسد فيه عزة المواطن وكرامته ،وفي سبيلها ترخص الأرواح. ولعل في ذكرى معركة ميسلون دروساً وعبراً أفادت كل المواطنين الشرفاء المدافعين عن وطننا العظيم الذي يتعرض لأبشع حرب كونية على مر العصور. ففي العام 1920 وبعد طرد العثمانيين من بلاد الشام تكشفت الأطماع الغربية وانجلت حقيقة اتفاق (سايكس بيكو) بين فرنسا وبريطانيا لاقتسام الوطن العربي، وقدم الجنرال (غورو) قائد الحملة الفرنسية إلى لبنان فاحتله ثم وجه رسالة تهديد إلى الحكومة السورية ،ويطلب فيها الرد على مطالبه خلال مدة أربعة أيام، وهذه المطالب هي: (تسريح الجيش السوري وحل الحكومة والبرلمان ،وإلغاء الدستور وكذلك إلغاء العملة السورية) ورفض وزير الحربية آنذاك البطل (يوسف العظمة) أوامر الجنرال غورو وجمع جيشه تحت قيادته وقرر مواجهة الغزاة والدفاع عن الوطن وهو يدرك أنه ميت لا محالة وقال قولته الشهيرة: (أعلم أن المعركة غير متكافئة مع الغزاة لافي الرجال أو السلاح أو العتاد، غير أنني وأخوتي قررنا أن نسجل للتاريخ رفضنا أن يدخل المستعمرون سورية إلا على أجساد الشهداء من أبنائها الأبطال) وودع طفلته ليلى وتركها أمانة عند الملك فيصل لأنه يعلم بالمصير المشرّف الذي ينتظره ولم ينتظر الغازي غورو انقضاء المدة التي حددها وتقدم من لبنان بجيشه الجرار مدعياً أن الرد قد تأخر فكان له بالمرصاد البطل يوسف العظمة بسلاحه المتواضع الذي لم يصمد طويلاً أمام دبابات المستعمر الفرنسي ومدافعه وطائراته فارتقى شهيداً في (ميسلون) الواقعة غرب مدينة دمشق ويده تمسك بالبندقية وأصابعه على الزناد وأقيم له ضريح في ذلك المكان الذي استشهد فيه، ويحتفل كل عام في ذلك المكان بذكرى استشهاد هذا البطل الذي خلده التاريخ رمزاً للمقاومة والبطولة والفداء،وذلك قبل مئة عام في 24/7/1920 في حين جر المستعمر الفرنسي أذيال الهزيمة والخزي والعار وطرد من سورية بفضل المقاومين الأبطال وكأن التاريخ يعيد نفسه بما يحدث في سورية من مؤامرة شرسة عليها، خطط لها من خطط من العربان والدول الغربية والولايات المتحدة والعدو الصهيوني لقتل الشعب وتهجيره وتدمير البنى التحتية والقضاء على الأمان الذي كانت سورية تحسد عليه بين دول العالم، ولن يكون النصر إلا بالتصدي للغزاة القتلة وطرد قوافل المرتزقة الذين قدموا من شتى بقاع الأرض ليعيثوا في وطننا فساداً وقتلاً وخراباً ولنا في (ميسلون) أفضل الدروس والعبر وبالتضحيات تحيا الأوطان.
د. موفق السراج