يتحولُ الفرح من خاص إلى عام شأنه شأن الحزن، ومحور حياتنا هذان القطبان إذ لاحل وسط بينهما . مثل طعم الحياة إما حلو ،وإما مرٌّ لاحـل وسط . لم أحبّ يوماً الوسط أقصد المقعد الوسط . عندما أصعد السرفيس أجلس بجوار السائق في المقعد الأمامي ، وإن لم يكن شاغرا أجلس في المقعد الأخير، وأترك الوسط للوسطيين . المقعد الأمامي يجعلك ترى العالم أمامك واضحا دون روتوش تنشغل باكتشاف ماكان مخفيا عنك طيلة وسطيتك ،وتكف عن مجاملة الضحكات الصفراء التي صادفتها في طريقك إلى الهدف. وإن جلست في المقعد الأخير سيضيع منك خيط الطائرة طائرة الحلم . تشرد تنام تنشغل بالرؤوس التي تصطف أمامك ، وقد فاحت رائحتها من قلة النظافة ،وقلة تنقيتها من الأفكار الهدامة التي تحاول أن تثنيك عن هدفك ،وتبعث في دربك التشاؤم، والإحباط . لهذا اخترت المقعد الأمامي بكامل قناعتك ،وعشت الفرح مع الفرحين . أعرف أنك مثلي كل عام حين تصدر نتائج الشهادة الثانوية ، والإعدادية لاتسعني الأرض من شدة فرحي بالنجاح أشعر بأني أنا الناجحة المتفوقة، والأولى التي حصلت على أعلى درجة ،وأعيش فرحتي تلك بكل تفاصيلها ألبس ثيابي الجديدة ثياب النجاح، وأستقبل المهنئين ،وأقدم لهم العصير، والبرازق ،وأحيانا صحن تين . وأفكر أي فــرع سأختار في الجامعة . وكل عام أُعيد الفعل ذاته رغم تجاوزي لكل المراحل الدراسية منذ عشتُ مع جدتي إذ علمتني كيف أكون الأولى لا الوسط ،ولا الأخيرة . كذلك شأن الحزن الذي تبعثه الكوارث ،والأوبئة التي زادت عن حدها ،وطفح سيلها هذا العام . وكأنها تراكمت، ثم تراكمت لتندلقَ دفعة واحدة أحزن ،وحزنت للكارثة التي حلت ببيروت كون بيروت عندي كـــ دمشق ،والقاهرة ، والقدس وووو وشاطئ بيروت كــ شاطئ طرطوس يعنيني كما يعنيني الهواء الذي أتنفسه، وحريصة على أن يكون نقيا . وحزنت على كل من مات بوباء الكورونا فهم بالنسبة لي جميعهم أخوة وجيران وأصدقاء . وحـزينة بسبب قـلة الفرح . وفـرحة بسبب كـثرة الأمل . بين جمع القلة والكـثرة ضاعت / الطاسـة / مع هذا بقيت حريصة على المقعد الأول، والتمسك به وعدم السماح للمشعوذين في برامج الأطفال من الاقتراب بقصد تدمير ،وكسر مقعدي . الذي عملت ليلا نهارا على تفصيله من صنوبر حب الظهور والشهرة ونبذ البقاء في الظل . ظـلُّ حائط /ظل شجرة/ ظل من لا ظل له سوى العنتريات ،وفتلِ الكلام ،والدعس على محرك التشفيط عند منعطفات العروض البراقة كـــ عروض غرف الاستقبال على رصيف الصور السيلفي رغم أني من عشاق السيلفي . لاسيما حين تصدر النتائج أجمع طلابي، والتقط صورة جماعية تؤرخ فرح النجاح ،ويظهرُ الندم عليّ في الصورة لأني نسيت سؤالا في الفلسفة لم أجب عليه ،واستبدلت سؤالا في التاريخ القديم بسؤال ألفته من التاريخ الحديث ،ورسمت خارطة زدت فيها المدن والقرى حتى امتدت ولم تعد ذات معنى ،وبجوار الندم ظهر عليّ الغرور كوني فرقت جيدا بين (اسم الفاعل ،واسم المفعول ) ومازلت أحتفل بنجاحي وحصولي على المرتبة الأولى كلما صدرت النتائج ، وزغردت نسوة الحارة ولا أخفيكم أفـرح أيضا كلما جاءت المي بحارتنا بعد انقطاعها لأيام ،فآخذُ قصيدتي إلى الحمام ، أغسل لها قدميها بالماء ،والغار ،أزيـنُ شعرها بـورق الحبق ، وأُجلِسُها علـى الـمقــعـد الأمامي .
نصره ابراهيم