في 8 آب 1972 كان استشهاد الأديب القاص والروائي المتميز غسان كنفاني الذي اغتاله العدو الصهيوني في الكويت بكمية كبيرة من المتفجرات وضعها الموساد في سيارته ، وكان برفقته ابنة أخته الشابة لميس التي قضت مع خالها . لقد كانت المتفجرات كافية لتفتيت جبل – والهدف من ذلك ألا يكون له أي أمل بالنجاة والإنقاذ ، بل أريد أن يمزق جسده ، ويقضي في الحال . هذا هو العدو الصهيوني الذي دلل على حقده الكبير ووحشيته وخوفه من أهل الأدب والفكر والفن ، الذين وقفوا أدبهم ، وفكرهم ، وفنهم على تعرية هذا العدو ، والدفاع عن قضية الشعب الفلسطيني بكلمتهم وفنهم الذي لا يقل تأثيراً عن البنادق والمدافع ، بل قد يكون أكثر خطراً على العدو من الرصاص والقنابل . هكذا يكون الأديب الحقيقي صاحب رسالة وموقف لا يستطيع الصمت حين يحتاج الأمر لقول الحق ، ويضحي بحياته ثمناً لمواقفه المقاومة الجريئة . لقد عبر غسان كنفاني بقصصه ورواياته عن قضية الشعب الفلسطيني ، ومعاناته ، ومآسيه التي جَرَّعه إياها الصهاينة بتشريده في أرض الشتات كما في روايته ( رجال تحت الشمس ) . لقد كنا طلاباً في المرحلة الإعدادية ، وكانت رواية هذا الأديب ( حق لايموت) مقررة علينا ، فقرأنا هذه الرواية التي حدثنا فيها الكاتب عن مأساة الشعب الفلسطيني ، ومعاناته في المخيمات ، والجرائم التي ارتكبها بحقه هذا العدو . ولا يزال تأثير أحداث تلك الرواية حاضراً في عقولنا وقلوبنا ، ولا يزال حقدنا على الصهاينة في نفوسنا بما رسمه هذا الأديب من عمق المأساة ، ووحشية العدو وهمجيته. ويقال: التاريخ يعيد نفسه ، وما أشبه الليلة بالبارحة ، فلا يزال العدو يعتقل الشعراء والأدباء والفنانين الذين يفضحون بشعرهم وأدبهم وفنهم ممارساته الوحشية بحق شعب أعزل . لقد ذهب غسان كنفاني شهيد الكلمة والموقف ، ذهب في ريعان الشباب وهو في السادسة والثلاثين من عمره ، ولكنه لا يزال بقوة الشباب يتعلم منه أهل الفكر والأدب والفن أن الحياة موقف ومقاومة لكل مستعمر دخيل، وأن اللون الرمادي ينبغي ألا يكون عند الأديب والمفكر والفنان ، بل ينبغي أن يتصدى بأدبه وفكره وفنه للغزاة الدخلاء ولو كلفه ذلك حياته … وفي سبيل الأوطان يهون الغالي والنفيس .
د.موفق السراج