النداء للبعيد ،والأمر للقريب غالباً لا يصل الصوتُ للقريب فلا عجب ألا يسمع البعيدُ النداء .
نحاولُ أن نوازي بين طبقة الصوت ، وأذن المُنادى من حيث الارتفاع ، والتخفيفِ في النبرة .
عبثاً كلُّ النداءات التي تحملُ طابعَ التوسلِ حيناً ،وحيناً طابع الرجاء ،ثم نندمُ على ذرف الصوت في وحشة الفضاء ، لنعاود النداء كلما اشتدّ أزيز المعالق اليومية.
العالمُ على فوهة بركان جملةٌ حفظناها عن ظهر عطش لكثرةِ ما ترددتْ ،وتُردّدُ كلما استخدمنا النداء .
الفوهةُ واسعةٌ جداً نستطيع العبورَ منها إلى الجانب الآخر لكن نخشى المغامرة لأننا نجهلُ طببعةَ ذاك الجانب وتكوينَه النفسي .
تتوالى النداءاتُ على أنغام أغنيةٍ مهدئةٍ للأعصاب المتورمةِ من كَثرة أُبر التخدير / هزّي يانواعم / تُرفَعُ أنخابً الأسى ،وتتلوى البطونُ المحشوةُ بالسمك المقلي في زيت الأمل .
يقول قائلٌ :نسبة الملوحة تجاوزت حدّ المعقول لهذا مات السمكُ ، فتمّ طَحْنُ عِظامِه تحت أضراسِ المراكب ، والأفواه فاغرةٌ بانتظار نبأ عاجلٍ يخففُ من فراغ بلعومها المتصبب قلقاً .
النداء للقريب ، والأمر للبعيد
القريبُ صمَّ أذنيه بقطن الإنكار ، والبعيدُ طائرٌ مكسورُ الوسيلة .
يرتفع الصوت ،وتترع الأنخاب وتهز النواعم ويطير الشَعر الحرير ،والشعِر الفارغ من حداثة المضمون ، وتمتلئ الأكياس بحزن العيد ، ثم تُرمى من أعلى الشرفات في الفضاء المكفهر بوجه جنون البقر ، ومكر الثعالب .
تتساقط الرموش الاصطناعية ، والأظافر الملونة برشقة ماء ، ترنُ جميعُ الأجراسِ المعلقةِ في أعناق الموج كرنين مغناطيسي يفصل بين الشك واليقين . يُشخّصُ المرض ،نستعدُ للخطر ،واحتمالاته .
يقول قائل :الحفلة طالت ،والطاولات فرغت من محتوياتها والبطون مازالت تتلوى / وهزي يانواعم / طلع الفجر، وصاح الديك ،وغمر العالمَ وجهٌ برتقالي ،ومازالت آلة التسجيل تكرر ذات الأغنية ، والراقصون سكارى ، والمغني صار نحيلاً من الدهشة .
يردُّ آخرُ: في الوقت الفارغ تكثرُ الإشاعات ، وثرثرة العاطلين عن فعل الزراعة زراعة كمشة شاي تخفف من مغص الانتظار . يولد اللصوص من رحم الظروف .وتقص الأشجارُ أغصانَها تضامناً مع العصفور الملتزم ، والمدنِ التي تتعكزُ في شوارعِها عيونُ الراكضين خلف السيارات المسافرة .
يقول ثالثٌ : لا شأن لنا بنتائج تلقيح الماعز ضدّ أمراضٍ لم تُنتج بعد ، لا شأن لنا بتحديد نسل الفقراء ،وبصرخة الأكف في اجتماعات النُخبة .
يقول رابع ،وخامس ، وسادس ،وسابع ،وثامن ،وتاسع .
ما هذا اللغو؟ يقول عاشرٌ ارفعوا صوت آلة التسجيل
/هزي يا نواعم / أيتها القوارض .
نصره ابراهيم