فاكهةٌ دون سواها نفضلها ،ونحبها مع أن الفواكه الأخرى بارعة الجمال ،والطعم ، لكن لكل منا حاسة التذوق الخاصة به .
أتذوق فصلاً دون أخر ،ونافذة دون أخرى ،ومدينة دون سواها ومحلا لبيع الثياب دون سواه ،وكتاباً دون عشرات الكتب ، عنباً دون بقية العنب .
كلما حانَ موسمُه تلمعُ السماءُ كالذهب .
وكلما لمعتْ السماء أشمُّ رائحةَ قميصِ عنترة المجازي .
العنبُ ، عنترة ،السماء ثالوثُ قلبي المعتق الممتد
من الرقة مروراً بالعاصي حتى جزيرة أرواد الواقفةِ
أمام عيني ضوءاً يفتحُ البابَ للطريق .
ياترى كم تسعيرةُ سهرةٍ على الرمل ؟
ربما تتجاوز مرتبي الشهري .
كم تسعيرةُ فنجانِ قهوةٍ على الشاطئ ؟
ربما نصفُ مرتبي .
ضربتْ ، وطرحتْ ،وحسبتْ ،فتوقفَ عقلي عن التفكير وطلبَ استراحةً ربعَ ساعةٍ ليعاودَ التفكير من جديد ،
لكن لا نتيجةً مفرحةً .
غيرتُ رأي : سأشربُ قهوتي تحت شجرة التين في دار جارتي هكذا أُوَفِّرِ ليراتي المتبقية في جيبي لعارضٍ
قد يفاجئني .
لمعتْ السماءُ ، فشممتُ رائحةَ قميصِ عنترة.
لعل عنترة يدعوني لكأس عصير على الشاطئ ، لكنه
كما وصلني من أخباره يبحثُ عن فرسه التي جمحت ، وهربتْ في الصحراء حاملاً سيفَه الصدئ الذي أكلَ عليه الزمانُ ، وشربَ بعد أن استعاض عنه الجيل الحديث بأدوات ناعمة الملمس شديدة التأثير في الخصم .
وللأسف الشديد صار سيف عنترة يُباع في المزاد العلني ولا أحد يشتري بل يلتقطوا معه الصور التذكارية ،ويغادروا كما يفعل أغلبُ رواد المعارض مع الكتب التي تلمع عيونَها دون جدوى .
إذاً ما الرائحةُ التي أشمُّها ياترى!
رائحة مسحوق غسيل غسلتْ به أم عنترة قميصَه ،وعلقتْه على حبل الفروسية !
أم رائحةُ العنب تعبقُ بأنفاسي مع أنه مازال حصرماً !
أهي رائحةُ أنفاس الصيف ! وهو يتجولُ على أسطحة المواسم لينشف البرغل والبامياء ، و دموعَ عطرِ الليل .
لا يهمُ كلّ هذا ،عاد عقلي من استراحته راح يضربٌ ،ويُقسِّمُ على أربعة خمسة ستة بأني قررتُ أن أكون ضمنَ كروب، ولن أذهبَ للبحر وحدي ،فالبحر لايؤتمن
لونُه مرةً أخضر مرة أزرق مرة أسود مرة أبيض .
أيضا لم أصل لنتيجة مقنعة مع هذا قلت أُضحي بمرتبي الشهري وأذهبُ ضمن كروب ، لكن للأسف الشديد حين انطلقَ باص النقلِ الخارجي كنت أغفو بفعل رائحة قميص عنترة ،وأقطفُ عنه العنب الحلو .
جهزتُ إبريق الماء ، وكأس المتة وقررت أن أشربَها تحت شجرة العنب في دارنا وأنا أسمع أغنية الشيخ إمام :
البحر بيضحك ليه …… أصل الحكاية ما تضحكش .
نصرة ابراهيم