في سن مبكرة ارتبطتُ بوالدتي ارتباطاً وثيقاً ،كانت لي الحبل السري الذي أستمدّ منه الحياة …. كنت أشعر بها ..بتعبها ..بفقرها ..بحزنها …بفرحها …بنظراتها التي تغمر البيت حبّاً وحنانا ..مع هكذا واقع وجدت نفسي إلى جانبها في كل تفاصيل العمل ومفرداته ، في البيت والحقل رغم أنني لم أتجاوز العاشرة من عمري ، كنت أساعدها في أعمال البيت ..لا يوجد لدينا أخوات كبيرات ..فرحت أقوم بكل أعمال المنزل إلى جانبها …بيوت طينية أرشّها بالماء وأكنسها …أجمع الأغطية والفرش ..أساعدها في الحصاد وجمع الغمار وأعمال البيدر ..كانوا ينادونها ( أم حبيب ) بالرغم من أن أخي محمد يكبرني بعامين …يسألونها لماذا يقولون لك أم حبيب وليس أم محمد ؟
تحكي لهم القصة بأن أول ولد اسمه حبيب وتوفي صغيراً ..سمينا الولد الثاني محمد وبقي الناس ينادونني أم حبيب …
كنت أقرأ في تقاسيم وجهها الطهر والبراءة ،كنت إلى جانبها منذ الصغر حتى رحلت عن دنيانا قبل خمسة عشر عاماً..
لا يغمض لها جفن حتى تطمئن بأني عدت للمنزل حتى ولو في ساعة متأخرة ..
..رغم كل التعب والشقاء والقلّة كانت تُشعرنا بأنها لا تتعب …لا تيأس ، تُشعرنا بان السعادة تنبع من عينيها ويتدفق بين يديها خيراً عميماً لا ينقطع ..
كانت رمزاً للطيبة والبساطة والمحبة والحنان ..من كفيها الخشنتين كنا نتلمس الحرارة و الدفء ..ومن عينيها العامرتين حباً وعطاءً نستمد استمرارية البذل والعطاء ..
أمي ..كنت ملاكاً ..نبعاً صافياً …رمزاً للبذل والتضحية والعطاء
من قيمك النبيلة استمدينا كل الجّمال والبهاء الإنساني ..
أمي …ستظلين ذكرى خالدة في عقولنا وقلوبنا وأفئدتنا ….
أمي ستبقين معنا طيفاً مضيئاً ينير عتمة الدروب وحلكة الأيام ،أمي في عيدك وعيد كلّ الأمّهات نقول : الرحمة لأرواح من رحلن ، والخير للباقيات اللواتي يزيّن ّالحياة بأنوارهن التي لا تنطفىء …
أُمي …….لروحك الطاهرة المجد والسلام…
*حبيب الإبراهيم