كانت الشمس تلملم وشاحها الذهبي عن الكون تاركةً للعشاق غروباً جميلاً ..
خرجت ( سنا ) من زيارة ( ليلى ) و هي في قمة المتعة ، و أطياف الحب تجوب في فكرها ..
دخلت حديقة مزهرة .. جلست على كرسي تحت شجرة صفصاف واسعة الظلال . عادت بذاكرتها إلى عشرين عاماً مضى من عمرها و هي تحدث نفسها :
ما أجمل الحديث عن الحب . كانت الجلسة مع نبيل و ليلى لها جوها الجميل اللطيف .. كان الحب والوفاء يخيم عليهم .. نعم ( إن الحب إكسير الحياة . من لا يعرف الحب .. لا يعرف للحياة معنى .. !! )
فالحب يجعلنا نولد من جديد ، و نرى الدنيا بألوانها الحقيقية .. و بذلك يصبح للحياة طعم لا يتذوقه إلا من يملك هذا الفهم .. كانت الأوقات التي أمضيتها مع الشاب الذي عرفته متعة نشرت الفرح في سنوات عمري .. للمرة الأولى ، و أعيش قصة حب .
عرفته لأول مرة عندما زارني فيها ( حسام ) مع أخي ..
و حين رأيته بهرني جمال عينيه و نظراته الواثقة الهادئة و التي يكمن فيها البعد العميق و الإحساس الدقيق في أدق الأشياء ..
اضطربت في تلك الزيارة ، لقد ارتسمت سعادة مفاجئة حولي كأني لم أعرف يوماً ألماً ..
مضى الوقت ينساب مسرعاً حولنا و يحمل حديثاً في أعماقنا عرفت من حديثه أنه متزوج و له ولدان ، لكنه يعيش بعيداً عن زوجته بحكم عمله و سفره الدائم ، و هناك شرخ في الانسجام مما أدى إلى فصم العلاقة بينهما بينما يلتقيان في فترات متباعدة من أجل رسالة يؤديانها لطفليهما .
انتهت زيارته .. كانت قليلة لكنها تركت أثراً في أعماقي عندها عرفت الحب لأول مرة .. و تساءلت بعد ذهابه :
ـ ترى هل نظر إليّ و قرأ ما في عيوني .. !!
ابتعد .. و راح دون ان يحدد موعداً ، لكن صوته يأتيني من الهاتف بين فترة و أخرى هادئاً يؤنس وحدتي اتصل بي مرة و قال لي :
ـ أنا في المدينة لبعض أعمالي سوف أزورك .. كانت زيارته مفاجأة لا أنساها أبداً . غمرني شعور لا أعرف له تفسير . تحدثنا و نحن نصغي لرياح الزمن و لفحة الألم . و ذلك الألم الذي قال عنه صديقي ( حسام ) :
ـ لأول مرة عرفتك .. و أحببتك .. و أحببته :
و الألم الذي نحياه بالبعد و الفراق أليس ألماً ..؟!!
ـ لا ليس ألماً إنه فرح بين شفاه آلهة جمعتنا .
ـ لكن الفرح هذا يئن يوماً و يتحول إلى حزن و لقاءاتنا قصيرة و خاطفة .
ـ عزيزتي .. لا زمن .. و لا حزن .. فاللحظة آتية و الحب الهادئ جعل الرياح عاشقة . و المطر جعل للتراب نشوة . و الأشجار الخضراء نضرة أليس في الطبيعة سرنا .. !!
حين أغيب يبقى في صدري أسى يمزق كياني المتعب أنعم باللحظات القليلة معك لا لشروط و قيود إنما لأجد لنفسي المرهقة صدراً حنوناً .
كان يأتيني بين الحين و الحين صوته الهامس يحمل الفرح لهاتفي و أجعله حضوراً دائماً بين صفحاتي في أحيان أخرى ..
تدور الشهور .. تدور الفصول .. و يدور الزمن و يبقى ( حسام ) حالة خاصة في حياتي ..
ذات يوم اتصل أخي ليخبرني أنه يدعوني لعنده في زيارة إلى ( باريس ) تحدثت عبر الهاتف
( بحسام ) و أخبرته أنني بعد فترة برحلة ( لباريس ) أحسست دون أن أراه بوميض عينيه بأنه ربما سيسافر أيضاً إلى هناك .. سافرت و لم يأتِ لكن صوته يأتيني في غربة ( باريس ) أنفاسه ترافقني ..
و يمشي طيفه أينما اتجهت . أنظر لمياه نهر السين و أسألها :
ـ هل بإمكان هذه المياه المتدفقة أن تطفئ الحب .. و هل المسافات الطويلة تلغيه ..؟
صحوت من تداعي الأفكار و سألت نفسي :
ـ هل ابتدع نظرية جديدة لهذا المجتمع المبني على الظواهر الخارجية ..
أناقشك بأفكاري و أنت صامت .. و أنا بطريق العودة لوطني اجوب الآفاق و بين الغيوم تتراءى لي مبتسماً و بين وجوه الركاب المغادرين معي و الفضاء جعلني أحلم بمجتمع حر . و هل في الحياة متسع للتغيير .. !! صوتك يجيبني بهدوئه المألوف :
ـ مجتمعنا لا يشيخ يحرق نفسه ثم ينفض رماده و يعود قوياً و يحلق بالطريقة ذاتها ..
صوت المضيفة ينبهني .. الطائرة تهبط .. عدنا للأرض . عيناي تجوبان أرجاء المطار . ربما أراك و تستقبلني ..!! أمواج السكون تغمرني بعد عودتي ..
اشتاقت يداي للقلم . لقصائدي .. لصفحاتي .. لأوراق تلاميذي . أليس الحلم و الذكرى هما ما ندعوه الحياة .. !!
إن هذا الحدث الذي مرّ عليّ خلف محطات مهمة في مسيرة عمري .