عباس حيروقة
من البداهة أن يكون الكتّاب والأدباء والشعراء وكل من يتعاطون الشأن الإبداعي من روّاد المكتبات وأصحاب المكتبات ..وأن يقضون الليالي قراءة وبحثا ومتابعة لأهم الدوريات والبرامج الثقافية وما شابه ذلك ..
وقد قيل لأرسطو في ما مضى : كيف تحكم على إنسان ؟؟
فأجاب : أسأله كم كتاباً يقرأ وماذا يقرأ
وهذا ما يتقاطع مع ما نقل عن ذاك النقش الذي وجد على باب مكتبة الإسكندرية في ذاك الزمان والذي جاء فيه (المكتبة مستشفى الفكر)
و ثمة مقولة أيضاً جاء فيها أن أول مكتبة أنشئت في مصر القديمة كتب على بابها ( هنا غذاء النفوس وطب العقول)
وهذا ما عرفناه وعايشناه نحن جيل التسعينيات ورأينا ما كان عليه من سبقنا من أبناء جيل الثمانينيات والسبعينيات وإضافة إلى كل هذا وذاك كنّا كما قلت في غير مقال ولقاء نصغي مطولاً لأحاديثهم وحواراتهم وكتاباتهم ونباهي بأننا التقينا فلان وجالسنا فلان وأهدانا فلان آخر إصداراته و..الخ
أورد هذه المقدمة للحديث عن غير ( تجربة أدبية ) شابة إن صح التعبير التقيتها تقدم إصدارها الروائي أو الشعري الأول في مركز ثقافي او جلسة أدبية فدار بعض حوار بيننا ..
ومن المحزن أن تستمع إلى صاحبة إصدار روائي وهي تقول إنها لم تقرأ من قبل أي عمل روائي لأي كاتب عربي أو عالمي وحين تسألها عن عالم الرواية تقول لك إنها كتبتها من وحي الحياة كما المسلسلات اليومية ..الخ
والمحزن أيضا أن ترى ربما بعد غد بعض الكتاب والنقاد يتناولون العمل تحت أضواء كاشفة وتغطية إعلامية مهيبة
والتجربة الأخرى التي ساقتني لكتابة هذه المادة هي تلك ( الكاتبة )التي رأيتها تسعى لتقديم عملها الشعري الأول إلى جهة رسمية لتبني طباعته ضمن إصداراتها الرسمية وحين تقرأ على مسامعك بعض ما جاء فيه تجد نفسك مضطرا ومن باب الوفاء لذاتك أن تطلب منها التريث إلى حين نضوج التجربة قليلا أو حتى نضوج مفهوم الشعر والشعرية لديها لا سيما وأنها لم تتجاوز العشرين من عمرها إلا قليلا ..
فتقول لك وبكل ثقة إن تجربتها نضجت ولديها خمس مخطوطات شعرية لأنها تكتب منذ أن كانت في الصف الثامن ..الخ
حقيقة ثمة حالات وحالات غص بها المشهد الثقافي وأصبحت تشكل ظاهرة خطيرة بات من الواجب لا بل الضرورة التصدي لها سواء نقديا أو إعلاميا وتسليط الضوء عليها وما ساعد في انتشارها غير سبب أهمها وسائل التواصل الاجتماعي والملتقيات الافتراضية وشهادات التكريم ودرجات الدكتوراه و..و.. التي تمنح لأميين من قبل أميين أيضا ..
وكذلك من أسباب انتشارها أن العديد من المشرفين على المنابر الثقافية غير قادرين على التمييز بين الغث والسمين ومعايير أهمية النص لديهم متعلقة بكل شيء عدا النص نفسه ..
ومن الأسباب التي ساعدت على انتشار تلك الحالات وتفشيها إلى أن سادت معظم منابرنا الثقافية هي تقاعس النقاد الذين ما زلنا نعوّل على رؤيتهم الجادة في التصدي لتلك الحالات وتحكيم ذائقتهم وحساسيتهم النقدية في إطلاق حكم قيمة لا الانتصار للشكل وللخصر ولتكور النهدين ولبعض ما يوعدون .
مسؤوليات جمة تقع على عاتقنا جميعا وعلينا أن نعمل بكل طاقاتنا من اجل تعزيز ثقافة الكتاب ..قراءة الكتاب ..تأبط الكتاب ..إهداء الكتاب ..
كم علينا أن ندرّب أبناءنا ..إخوتنا ..أطفالنا على ارتياد المراكز الثقافية ..اقتناء الكتاب وجعله طقسا من الطقوس التي نباهي بها ..
فقد سبق أن قال المفكر والمحامي والخطيب الروماني (شيشرون ) 106 – 43 ق.م متوجها للعامة : (( إذا كان لديك حديقة ومكتبة فأنت لديك كل ما تحتاجه ))
فما الذي يمكن أن يقوله حين يتعلق الأمر بالكتاب وبالأدباء ؟؟!!