وحيدة إلاّ من أسرابٍ متلاحقة ، لامست حواف الندى، وأيقنت أن السكون ملاذها الوحيد، تهمُ بالطيران لتستلقي بحنو وآمان على أغصان شجرة ٍباسقة، كبيرة مترامية الأطراف، شجرة بلوط ضخمة تتموضع في الطرف الجنوبي من بلدة المحروسة، سمّاها الأهالي منذ ان عانقت اكفهم ثراها الطيب «شجرة العصافير » لتتحول فيما بعد إلى نقطة علام بارزة في البلدة، اختارتها العصافير وخصوصاً الدوري مسكناً آمناً لها، تنطلق منها وإليها زرافات ٍ ووحدانا، وفي جو من الهدوء والسكينة بدات تتكاثر وتزداد أعدادها ….
تبني اعشاشها غير آبهة من عبث الأطفال وشغبهم،لهوهم البريء ، او من سعي صياد استهواه الصيد وأدمنه ليطلق بضع خرادق لتستقر بلا رحمة في جسد عصفور طريّ …كَثُرَ البناء حول الشجرة ، بيوت تنهض في كل الاتجاهات، لتتحول مع الزمن إلى حارة كبيرة ببيوت قديمة وحديثة …
تحولت شجرة العصافير إلى نقطة علام …وعلامة فارقة في تطور البلدة العمراني ، لترتبط مع الزمن بالذاكرة الجمعية للناس….
– اسكنُ إلى الشرق من شجرة العصافير…..
-لطفاً أيها السائق انزلني بجانب شجرة العصافير….
هكذا هي احاديث الناس الذين ارتبطوا بهذه الشجرة ونسجوا من خلالها الكثير من الحكايات والقصص الجميلة …
في الثمانينيات من القرن الماضي وخلال تنفيذ مشروع مياه الشرب للبلدة ،قام المتعهد الذي يقوم بتنفيذ المشروع باقتلاع شجرة العصافير ، ليقتلع معها ذكريات جميلة لاناس ارتبطوا بهذه المنطقة، اقتلع المتعهد شجرة العصافير غير آبهٍ برمزيتها للأهالي وارتباطها الوثيق بحياتهم، وذاكرتهم الجمعيّة،
وبالرغم من اقتلاع الشجرة ،لم ينقطع حبل الود مع المكان، ظلّت العصافير تقصدها بشكل دائم، تحوّم احياناً، وتتوقف احياناً أخرى، ترمق المكان بحنو ومودة …. تحوّل المكان إلى حارة شعبية جميلة تضج بالحيوية والحركة والنشاط …اليوم لم يبقَ من شجرة العصافير إلا اسمها وسلال طافحة من الذكريات النابضة ،المتوهجة في عقول وافئدة اهالي البلدة والقرى المجاورة.
*حبيب الإبراهيم