عباس حيروقة
كنا أطفالا وكان التلفاز أول ما دخل البيوت بلونيه الأبيض والأسود حينها آلت المساءات غير المساءات وللسهر نوافذ أخرى نطل من خلالها على غير أرض ..
كنا نتجمع بأعداد لا يعلمها إلا الله في غرفة لم تعد تتسع بعد بدء برامجنا الطفلية المخصصة لنا إلا لموضع دمع وابتسامات وفراشات من مقام طفل
وأجمل ما تخزنه الذاكرة لألف ألف عام وعام تلك البرامج المدهشة والتي كان لها الفضل الكبير في حبونا تجاه الخير والجمال والانتصار للمحبة وعدونا بكل دهشة وطاقات أسراب حمامات القرى ويمامات دمشق على دروب الانتماء للماء وللقمح وللينابيع ..
برامج أطفال لم تكن تبث إلا لساعتين أو أكثر بقليل كنا نجلس مترقبين بكل ما نملك من براءة ودهشة تلك البرامج التي كانت تحملنا تجاه عوالم إنسانية جديدة تزرع فينا وتنمي مشاعر وقيم أخلاقية سامية ..
نبكي بقهر مع بكاء أبطال مقهورين ونفرح ونضحك حين تضحك شخصيات العمل ..فكم بكينا حين وفاة العم (فيتاليس) صاحب الفرقة الجوالة التي تقدم عروضها في الطرقات في المسلسل الأكثر تأثيراً بنا ( ريمي) وأيضا كم طفحت أعيننا دمعا قهرا وحزنا على مقتل بعض أعضاء الفرقة التي أخذت على عاتقها نشر الفرح في كل الدروب مثل ( زربينو ) و ( جلكور)
وكم ركضنا دامعين مع ريمي وصرخنا بأعلى صوتنا وكلنا ريمي الذي يغص بالبكاء بالقهر ..بالحرمان والتعاسة حين عرف انه متبني من قبل رجل وامرأة ومن ثم قاما ببيعه للعم (فيتاليس)
كم صرخنا حين يصرخ ريمي
وكم هتفنا معه وهو يدور دورته تلك التي حفظناها كوجه أمهاتنا :
وأنا أحب ساعة الفرح / أنا صاحب الأحزان ريمي
رغم حزني وهمومي /رغم من في الأحزان رماني
أنسى عندكم أحزاني /أنا ريمي ..اضحكوا لريمي
(ريمي) هذا المسلسل الذي مازلت انتظر وأترقب عرض حلقاته هنا وهناك لأجلس كما كنت قبل أربعة عقود اردد كلمات شارته والتي مطلعها :
نقطعُ الدروبْ نُفرحُ القلوبْ/ ولنا في كلّ شارع صديقْ
نقطعُ المدى لا نؤذي أحدا / نزرعُ الأفراح في طول ْ
وكنا وكانت برامج أطفال بحق ..بحجمنا ..بحجم دهشتنا ودمعتنا وضحكتنا برامج أطفال بموسيقاها وصورها المبهجة الألوان وكلمات أغنيتها الساحرة
كنا أطفالا وكان برنامجنا الساحر البهي ( من قصص الشعوب )
هذا البرنامج الذي مسكنا من طرف ثوبنا ..لا بل من أناملنا ومضى بنا يعرفنا على قصص شعوب وحضارتها وفلكلورها وتراثها
برنامج أخاذ كل حلقة يتناول فيها قصتين منفصلتين وكل قصة عشرة دقائق
برامج تغنينا عن قراءة مجلدات تذخر بالجمال وبالبهاء ..
ومن منا حتى يومنا هذا لايردد كل احتفاء أغنية شارة هذا البرنامج بكلماتها المذهلة :
في قصص الشعوب / في قصص الشعوب /طرائف لا تنتهي
وعالم حلوٌ بهي /يسكن في القلوب /في قصص الشعوب
من كل بلاد الدنيا / من كل بقاع الأرض/ قصص شتى /
تروى حتى /تعرف أحوال الإنسان / والكل هنا جيران/
فإذا زرناهم في الصورة/ في احلي دنيا مسحورة/ كي نتسلى صرنا أهلا
نعم ما يمكن ان نقوله عن برامج الأطفال في زماننا الكثير الكثير ولكن ما الذي يمكم أن نقوله عن برامج أطفالنا اليوم ؟؟
يتبع في المادة القادمة