عباس حيروقة
قبل الحديث عن المعنى الأهم من معاني الكتابة للأطفال أريد أو أوضح بعض ما أضافته لي تلك الكتابة كإنسان أولا ومن ثم كأديب وشاعر ثانيا ..
الحقيقة أن الكتابة للطفل أضافت لي الكثير الكثير من المعاني والدلالات والتراكيب والألفاظ والانزياحات الماتعة من جهة ومن جهة أخرى جعلتني خلقت مني إنسانا أو كائنا مختلفا عن ما كنت عليه حين الكتابة للكبار من شعر وقصة وبحث ومقال ..
نعم الكتابة تلك جعلتني أكثر حساسية تجاه كل الأشياء..تجاه المواقف والحالات والقراءات اليومية المعاشة .
زودتني بطاقات كامنة خاصة جعلتني أكثر قدرة على التقاط مواضع الجمال والدهشة هنا وهناك ..لا بل أكثر قدرة على قراءة مفردات الله والناس والحياة بأسلوب جديد مغاير..
جعلتني أكثر قدرة على التقاط مكامن الضوء في مخلوقات الله وأكثر قدرة على قراءة قسمات الوجوه وتضاريس الصباحات الندية الخجولة ..
دفعتني لنسج علاقات خاصة مع من حولي من أطفال وجدّات وعصافير وأمطار ..فأصبحت أكثر فهما لذاتي وتصالحا مع معها ومع من يشابهها .
نعم كل هذا وأكثر بكثير ولكن سأكتفي إلى هذا الحد وانتقل للإجابة على سؤال جد هام آمل من كل الذين اشتغلوا أو يفكروا في الكتابة للأطفال أن يحاولوا الإجابة على بعض بعض هذا السؤال : ما معنى ان تكتب للطفل ؟؟
يعني أن تعود طفلا يركض ..يضحك ..يرسم ..يلعب ..يصرخ ..يطارد الفراشات ويعاند الريح والمطر وأشعة الشمس ..
يعني ان تتقن لغة الطيور ولغة الريح ولغة المطر ..
يعني ان تتحول إلى وردة مزروعة أمام نافذة طفلة استيقظت للتوّ لتقول لها : صباح الحياة
يعني أن تتدرّب لن تكون نهرا يجوب الحقول وسواقي تتجه في فرح نحو أمداء من الحنطة وبساتين الخوخ والدراق
يعني أن تتقن فن التحوّل إلى قطرة ماء تنهمر وشقيقاتها من أمنا الغيمة ..أن تصافح وجه وردة أو طفلة أو بركة ماء لترسم أبهى اللوحات وأجملها
يعني أن تتحوّل إلى إشارة ضوئية ترأف بأطفال المدارس ..بالجدّات
يعني أن تكون ألوانا وأقلاماً ودفاتر رسم بيد أطفال المدارس ..
أن تكون فراشات تألف الزهر ..وتتقن أن تكون تلك العصافير التي ألفت نوافذ الأطفال ومواقيت استيقاظهم ..
يعني أن تكون غيمة وقمرا و نوارس ومراكب وموانئ وشواطئ
يعني أن تكون ذاك السلاح النظيف النظيف الذي يحنّ ويحنّ إلى أن يشفَّ ويؤول حقلة ورد وبركة ماء وابتسامات الامهات صبيحة عيد ..
نعم الكتابة للأطفال بقدر ما هي ماتعة ورقيقة وبهية بقدر ما هي مسؤولية بحجم وطن ..مسؤولية بحجم حياة ..
كم علينا أن نعيد طرح أسئلة الإبداع الأهم ..أسئلة الطفولة ..