لسنا هنا في وارد نقد الثقافة من حيث المعنى والدلالة ولا من حيث المصطلح أو المفهوم ولكن ما يمكن أن نناقشه في هذه الفسحة الضيقة نسبيا هو ما يتم الكتابة عنه في نقد المشهد الثقافي في (ظواهر ومظاهر ) ..في نقد المثقفين أو المشتغلين في الحقل الثقافي من مبدعين ومن قائمين أو مشرفين على منبر ثقافي ما ..الخ
ويمكن أن نقسّم ما يكتب في نقد المشهد الثقافي إلى قسمين :
الأول : هو من يكتب وينقد الحراك الثقافي بقلب كبير وعقل سليم ..من يحمل ولو ملامح مشروع ثقافي وطني يقدّمه ويعمل مع من حوله من أفراد ومؤسسات في محاولة منهم للتأسيس لمشهد ثقافي معافى والتقعيد لحالة وطنية قيمية جمالية تنتصر للثقافة الإنسانية ..للحرية ..للجمال والخير والسلام ..
هؤلاء هم ورش عمل دائمة الانعقاد ولا مصالح شخصية لأحد في منصب هنا أو كرسي هناك أو طباعة أعمال لهم أو عنهم أو..أو ..الخ
هؤلاء هم الذين قالوا كلمتهم وبالفم الملآن حين استوجبت الضرورة قولها ..أشاروا بالبنان وأمام الله والناس والحياة إلى مواضع وبواطن الخلل والفساد والإفساد الثقافي ..كتبوا ونشروا ووقفوا في المؤتمرات والاجتماعات وأطلقوا صرختهم الجمالية المدوية في وجه القبح غير عابئين بغضب هذا السيد أو ذاك وغير آبهين بحرمانهم من مكتسبات هزيلة وفتات أطعمة يرمون بها لمن توسل وتسول هنا أو هناك ..
هؤلاء هم أصحاب المشروع الثقافي الوطني الحر يعملون معا يدا واحدة وهدفهم نهضة المجتمع وتعزيز ثقافة الحرية الإنسانية ..ثقافة الوطن والمواطنة والوطنية ..
يعرّون الفساد والقبح ويشيرون إليه بصوتهم الجهوري العالي لأن لا مصالح شخصية لهم يرجونها لا بل هم وعلى مبدأ الروائي العظيم نيكوس كزانتزاكي في جملته الشهيرة والتي أوصى أن تخط على شاهدة قبره :
أنا لا اطمع في شيء ولا أخشي شيئا أنا حر .
أما القسم الثاني ممن يشتغل في نقد المشهد الثقافي فهم الذين تضررت مصالحهم الشخصية من وصول هذا أو ذاك أو من قرار هنا وهناك أو من حرمانه من الوصول أو فشله في الوصول إلى هذه الكرسي أو تلك فتراه فجأة وعلى حين غرّة ينقلب من مطبل ومزمر ومهلل إلى ناقد وشاتم وغير راض عن ما آلت إليه الحال فتظهر لديه الغيرية والحرص و..و..الخ يبكي ويندب على الحال الذي وصل إليه المشهد الثقافي ناسياً أو متناسياً على الأقل صمته المخيف إن لم نقل محاباته لتلك الطبقة الطفيلية الفاسدة والمفسدة .
نقد الثقافة ..نقد المشهد الثقافي إن لم يكن نابعا من غيرة وطنية وانتماء وحرص وتمسك بكل ما هو جميل وأصيل وإنساني للوصول إلى مشهد ثقافي حضاري يليق بالوطن ..إن لم يكن كذلك فهو بالمطلق ينم عن عقلية نفعية انتهازية وصائية ساءها عدم وصولها وزبانيتها إلى هذا الكرسي أو ذاك ..
نحن بحاجة إلى ثقافة نقدية حقيقية ..إلى مثقف وطني حر متحرر من عبوديته لأناه المتورمة المريضة أولا ومن ثم للآخر ثانيا..
بحاجة إلى مثقف نقدي فعال يؤمن بثقافة العمل الجماعي وتقبل الآخر للعمل معا ضمن مشروع وطني ثقافي بحجم آمالنا وأحلامنا .
عباس حيروقة