في مطالع السبعينيات الماضية، شارك أ.مصطفى صمودي في تقديم مسرحية “أغنية على الممر” بدور محوري… كانت قاعة المركز الثقافي في ساحة العاصي بحماة تغص بالحاضرين، وكان كل شيء مدهشا: الديكور المؤثر… أداء مصطفى وإخوانه… النص المهم لكاتب مصري مهم هو علي سالم: ظلت ذكريات هذا العرض المسرحي المهم تحلق على جناحي عقد السبعينيات، من حين إلى حين، لترفد حوارات الكلام مع أ.مصطفى صمودي وأصدقائنا المشتركين، برؤى تفيد كلا منا بإعادة ترتيب دلالات مكونات عمل مسرحي عربي جاد مهم، ومغازيه، في وجدان كل منا، مانحة نشأتنا في ربوع العاصي الشادية بنواعيرها، روافد ثقافية عربية وعالمية ضرورية، ومن الراجح أن تحويل هذا النص المسرحي عام 1972 إلى فيلم سينمائي شارك في أدواره الرئيسة محمود مرسي، وصلاح قابيل، ومحمود ياسين واحمد مرعي وصلاح السعدني ومديحة كامل، قد فتح أمام تلك الحوارات دروبا رحبة الآفاق …… 1، المكان الفني الأساس لهذا العمل هو ممر وعر ضيق في صحراء، تعمّق وعورته وضيقه مشاعر خمسة جنود محتجزين محاصرين فيه، بالغربة، ويواكب ضيقه إحساسهم بضيق فسحة الأمل. 2، الزمان الفني الأساس هو حرب حزيران سنة 1967، بأيامها المحدودة، وما فيها من طيران معاد سيقصف لا محالة خمسة جنود محاصرين في ممر وعر ضيق في صحراء، بعد أن استشهد جميع زملائهم. 3، خمسة جنود انقطعوا عن العالم بعد تلف جهاز اللاسلكي… وقت عصيب مناسب لتعبير كل منهم عن قلقه على بشر بعيدين، أهل أو أحبة أو أصدقاء أو معارف… ومناسب لاستدعاء ذكريات متداخلة الألوان، كأنها لوحة تشكيلية سوريالية… 4، الشاويش محمد، أكبرهم سنًّا، فلاح يترك أرضه ليزرعها أولاده، شارك من قبل في حرب سنة 1956 … حمدي الفنان الذي يحلم بالارتقاء بالأغنية بعيدًا عن الابتذال، وهذا الحلم يمنح عنوان المسرحية ثراء دلاليا عميقا وواسعا… وشوقي الذي ينشد المثالية نشدانا مفيدا في صياغة خيوط نسيج يعادل فنيا مرجعية اجتماعية تواجه ممرات وعرة ضيقة، ومفارق منفتحة على تيه غامض… ومسعد العامل البسيط الذي يحلم بالاستقرار مع زوجة… أما منير فهو انتهازي… يتعرض هؤلاء الخمسة لهجوم بطائرات العدو ليستشهد ثلاثة منهم … تابعت الأستاذ مصطفى فيما بعد مخرجا وكاتبا مسرحيا، وشاعرا، ودارسا أدبيا، ومنظما ثقافيا، وظل أداؤه في مسرحية: “أغنية على الممر” يوقظ روحي من حين إلى حين، فأداري محبتي له من رياح الأيام وقسوتها وعنتها…
د.راتب سكر