من البدهي أن يتزامن عيد الأم مع تفتح الأرض ، واخضرار قلبها واتساع مداها وتألقه بالبهاء وكل ما هو جميل.
فهما ” الأم والأرض” رمز الحياة والخصوبة والنماء ، رمز لكل ماهو رائع وعظيم ومقدس ، منذ بدء الخليقة ، وفي الميثولوجيا السورية العتيقة ، وفي العصر الحديث وبكل العصور.
وقد ارتبطا ـ كما تعلمون ـ كمفهوم واحد للكرامة والإباء في الوجدان الجمعي ، على مرِّ التاريخ بحقبه المتعاقبة والمتلاحقة ، لذلك ترانا نقول ونردد دومًا “الأرض والعِرض” وخصوصًا في الملمات والشدائد ، وإن كان المقصود بمفهوم “العِرض” كل أنثى ، فإن الأم هي المجسد الأكبر لذاك المصطلح الذي ينطوي على ” الزوجة والإبنة والأخت والحبيبة ” وكل تاءات التأنيث بديعة التكوين والحضور في حياتنا.
وفي مناسبة عيد الأم ، نرى أن الأم السورية تجسد كل عظمة الأم ، التي أعطت ـ وتعطي ـ من دون حدود ومن غير أي مقابل ، والتي صبرت أقصى ما للصبر من أقاصي ، وتحمَّلت ما لا تحتمله الشُّمُّ الراسيات ، وتعيش كما أغلبية السوريين ، بالكفاف إن لم يكن بأقل منه.
ومع ذلك ، ورغم كل ذلك الحرمان والشقاء الإنساني تبدع الحياة ، وتستمر بالعطاء ، وتدفع أغلى ما ينبض بقلبها ، لساحات الوغى للذود من الأرض “معادلها الموضوعي ” بالعزة والكرامة ، وقد يعود قلبُها بعد غياب سليمًا معافى ، وقد يعود ملفوفًا بالعلم الوطني ، أو قد لا يعود أبدًا ، فقد تماهى جسده بالأرض ، وخضَّبت روحُهُ ترابَها ، روحُهُ التي تورقُ في ذاك التراب بكل ربيع أنجمًا زُهرًا.
في عيدها ، أيُّ عباراتِ ثناءٍ أو مديحٍ ، أيُّ قصائدَ عاطفية ، أيُّ خطبٍ وكلماتٍ حماسيّةٍ تفيها حقَّها ؟!.
محمد أحمد خبازي