على ضفاف العاصي من مرافىء الذاكرة طقوسٌ رمضانيّة …
مع قدوم شهر رمضان المبارك تتوارد إلى الذهن ذكريات لا يمكن ان تُمحى عن طقوسه التي اصبحت جزءاً هاماً من سلوكنا وحياتنا …ولعل فترة السّحور هي الاكثر حضورا ،كانت البساطة ،العفوية سمة عامة لكلّ شيء ،لا يوجد أي تكلّف او مباهاة او …
كانت الوالدة رحمها الله توقظنا على السحور بعد ان تكون قد أعدّته ووضعته في طبق القش …بيض مسلوق ،لبن ،زبدة،خبز تنور ، شاي على بابور الكاز … ،معظمه من انتاج المنزل وصنع اليد ،ومن مشتقات الحليب حيث كانت تربية الأغنام هي الحرفة الرئيسة في قريتنا إلى جانب الزراعة ،إضافة إلى التمر وكان الوالد يشتريه من مدينة حماة (بالقفة )وهي مصنوعة من سعف النخيل وربما وزنها (25)كغ ،لم اعد اذكر ، كان هذا قبل نصف قرن تقريباً ،ثمة شعور جميل ،فرح غامر ينتابنا ونحن نتحلق حول الطبق ،كان الوالد يشرح لنا عن شهر رمضان ومعانيه وبركاته ودلالاته وقيمه و…. ،لم يكن لدينا براداً او فرناً او تلفزيوناً ،ما يربطنا بالعالم الخارجي الراديو الذي يعمل بالبطاريات الجافة حيث نتابع من خلاله فترة السحور والإفطار والبرامج والتمثيليات الإذاعية التي كنا نتابعها بشغف يومياً ،ومن تلك البرامج التي لا تغيب عن الذاكرة المسابقات الرمضانية اليومية ومسلسل ( وين الكنز) ؟والشخصيات الشعبية والتي ارتبطت بالذاكرة الجمعية للناس …. غوار الطوشي، ابو عنتر ،ياسين بقوش ،ابو رياح ،ابو صياح ،ابو فهمي ،فطوم وغيرهم …
في فترة الإفطار كانت الموائد عامرة رغم بساطتها ،عفويتها ،وهي ايضاً من إنتاج المنزل …البرغل ،المحشي،الكشك ،الديوك البلدية ،خبز التنور …البصل الاخضر …وذلك حسب الموسم …
كل شيء بسيط ،خفيف ، لا تشعر بتأفف او تكلف ، او ضغوط حياتية ،كانت البساطة سمة اساسية لتلك الفترة ،الجيران يجتمعون ،يتسامرون ،يتناولون الفطور عند بعضهم البعض ومما تيسّر ،لا تكلّف ولا إسراف ….
اليوم من يقيم إفطاراً عليه ان يحصل على قرض ،إن كان من ذوي الدخل المحدود ؟!
خلال النهار كان العمل هو السمة الرئيسة ،عنوانه الإيمان … الصبر التحمل وخاصة خلال مواسم الحصاد والبيدر ،حيث الحرارة في اوجها ..نهارات طويلة مشمسة ،ظروف حياتية قاسية ،لكن ثمة رضا وقناعة بالواقع والرزق المقسوم …
هي طقوس رمضان ،رمضان شهر الخير والبركة ،شهر المحبة والتسامح ،تظل في ذاكرتنا وهجاً لا ينطفىء ،يعطي لحياتنا معاني سامية وقيماً لا يمكن أن تّمحى أبداً ….
*حبيب الإبراهيم