يرى أهل الاختصاص في قضايا الإرهاب من قضاة ومحامين ، أن مرسوم العفو العام الرئاسي الأخير ، من أهم المراسيم التي صفحت فيها الدولة عن أبنائها الذين حادوا عن جادة الصواب ، أوحملوا السلاح بوجهها ، أو ارتكبوا آثامًا بحقها ، لتعيدهم إلى دائرة الحياة وميادينها ، وليعيشوا بين ذويهم ومع أسرهم ، وكأنهم لم يرتكبوا جرمًا ، ولم يقترفوا إثمًا ، ولم يخطئوا بحق الوطن ومواطنيه ، وذلك من منطق الدولة الحريصة على كل أبنائها ، ومن مبدأ إعطاء فرصة أخرى للذين أخطؤوا بحقها ـ أرضًا وشعبًا وقيادةً ـ ولكن لم يقتلوا ولم يسفكوا دمًا ، ليعودوا إلى رشدهم وحضن الوطن الذي يتسع لهم ويعفو عنهم.
ويرى أهل الاختصاص أن ذلك المرسوم من الأهمية القصوى ، كونه يعفو عن مرتكبي كل الجرائم الإرهابية ، أو التي تصنف إرهابية ، ما عدا التي تسببت بموت إنسان.
ومن وجهة نظر مجتمعية ، يمكن أن نقرأ المرسوم التشريعي ذاك ، على أنه مبادرة أخلاقية من الدولة ومد يدها بالخير ، نحو آلاف المحكومين أو الذين تُنظر قضاياهم بمحاكم الإرهاب.
مبادرة عنوانها العريض الصفح والمسامحة ، وتفاصيلها بدء حياة جديدة ، سليمة وصحيحة ، شريطة ألَّا يعودوا إلى ما ارتكبوه ، وإلَّا يُقدموا على أي فعل يمس الوطن ويسيء لمواطنيه.
كما يمكن قراءة المرسوم على أنه “عيدية” لتلك الأسر التي ارتكب أبناؤها ما ارتكبوه بحق الوطن ، وتعاني من سوء فعلتهم ومنعكساتها وتداعياتها ما تعانيه ، فأراد المشرِّعُ أن يعالج معاناتها ويبلسم جراحها الأسروية والمجتمعية بالمحبة في فترة العيد ليكون سعيدًا فعلًا لها .
باختصار شديد ، المرسوم كما نرى يجسد جوهر الدولة وحقيقتها ، في التعاطي مع أبنائها الخطائين بحقها ، وأن العفو من شيم الكرام ، وأنها قادرة على العفو مثلما هي قادرة على العقاب.
محمد أحمد خبازي