نبض الناس…
لو كان الأمر مقتصرًا على الإسمنت لوحده وبمفرده ، لكان رفع سعره للضعف مؤخرًا هينًا لينًا !.
ولكنه في الواقع غير ذلك تمامًا ، ويرفع معه أسعار البلوكة والبلاطة وكل مادة يدخل بتركيبها الإسمنت ، وهو ما يدفع ثمنه المواطن أولًا وأخيرًا .
فتاجر البناء ، يسترد قيمة ما يدفعه من السعر الجديد للإسمنت ، عند بيعه المشروع السكني أو التجاري الذي يبنيه ، والمتعهد لمشاريع القطاع العام سيرفع كلفة إنجازها وستصرف له الجهات العامة بالدولة فروقات الأسعار .
والجمعيات السكنية ، التي تنفذ مشاريع ستطلب من المكتتبين لديها رفع أقساطهم إذا كانوا يرغبون بالحصول على الشقة الحلم ، التي سترتفع كلفتها الإجمالية النهائية أيضاً.
وأما المواطن إذا استطاع أن يبني غرفة إضافية بمنزله ليزوج ابنه فيها ، فسيحتاج إلى مبالغ مضاعفة كي يستطيع إيواء ذلك الشاب الذي يحلم بالزواج لتكوين أسرة كسائر خلق الله.
وأما شبابنا الذين لم يولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب ، ولم يرثوا عن ذويهم شيئًا ، أو ليس لدى ذويهم ما يمكن أن يورِّثوه لهم ، بات تأمين شقة سكنية ولو كانت أضيق من خرم أبرة من سابع المستحيلات بالنسبة لهم ، ولم يعد أمامهم من خيار سوى السفر ـ إن استطاعوا إلى ذلك سبيلًا ـ لتأمين مستقبلهم ، أو بتعبير آخر “عش الزوجية” الذي أصبح مكلفًا جدًا حتى لو كان غرفة واحدة مع ملحقاتها فقط !.
وبالطبع تأمين قيمة هذا العش بالغربة ، ليس بالأمر اليسير أيضًا ، فهو يحتاج لسنوات من العمل الشاق والمضني ، هذا إذا وفِّقَ أي شاب من شبابنا بفرصة عمل مناسبة ، توفر له مدخولًا شهريًّا يستطيع أن يدخر منه ما يلزمه لشراء منزل بسيط ، هذا عدا عن انتظار فتاة أحلامه شريكته بالتعتير لسنوات طويلة في بيت أهلها ، حتى ” يحوش” ثمن شقة العمر ، إذا استطاعت الصبر وإذا قبل أهلها بذلك ، ولم يخافوا عليها من العنوسة.
ثم من قال إن العنوسة للصبايا فقط ، فماذا يعني أن يبلغ الشاب الأربعين من عمره ، وهو لما يزل مقيماً في بيت أهله !.
وماذا يعني إذا كان موظفاً ولا يستطيع أن يشتري من راتبه صوفاية أو تلفزيونًا ولا نقول برادًا .
باعتقادنا ، ينبغي للحكومة إيجاد حلول لمشكلات شبابنا بالتوازي مع رفعها الأسعار عمومًا والإسمنت خصوصًا ، كأن تتبنى حفلات تزويج جماعية لهم مجانًا ، بعد تأمين مساكن خاصة بأجور زهيدة أو بأقساط ميسرة ، وتمويلهم لتنفيذ مشاريع صغيرة مدرة للمدخول تعينهم على صعوبة الحياة وقسوتها.
ونأمل ألَّا تحيلهم للمصارف كي يقترضوا منها ، ليؤمنوا حياتهم ، فأي حياة هذه التي ستكون منهكة بالأقساط الشهرية ، لمدة عشر سنوات ، أو خمس عشرة سنة ؟!.
محمد أحمد خبازي