على ضفاف العاصي : جابر عثرات الكرام

ليست قصتي هذه من نسج الخيال ، بل هي قصة حقيقية ، لها جذور تتغلغل في أرض الواقع !!..
أما بطل هذه القصة ، فهو شاعرنا الراحل : عبد الوهاب الشيخ خليل ، الذي كان قبل عقود عديدة ، معلماً في إحدى المدارس الابتدائية ، وكان زميله في هذه المدرسة معلماً يدعى الأستاذ عبد الودود ، كانا صديقين حميمين ، متلازمين متقاربين ، كل منهما يعرف أسرار الآخر ، وكل منهما يدرك معاناة صديقه في هذه الحياة .
القصة كاملة، رواها لي شخصياً المرحوم عبد الوهاب ، بلسانه الفصيح وأسلوبه الشائق ، والحقيقة التي أريد أن أذكرها الآن ، والتي سبق أن ذكرتها عدة مرات ، أنني كنت في أثناء صحبتي معه ، أتساءل دائما بيني وبين نفسي : لم كان هذا الرجل شاعراً ، ولم يكن قاصاً أو روائياً ؟!!. فأنت تشعر أنه قاص بالفطرة ، وعنده من الأخبار والوقائع والحكايات ما يعجز الكثير من ( القاصين ) عن امتلاكه ، ولديه من النفس الروائي مالا تلمسه لدى العديد ممن يركبون موجة القص الفني .. بل لعلك تجد في جعبته من المواقف الطريفة والأحداث الغريبة ماهو أصلح لأن يكون مادة قصصية شائقة وماتعة ، وترى في قاموسه اللغوي من المفردات المعبرة والمصطلحات الجاهزة ماهو أقدر على صوغ الحبكة والعقدة والحوار ، مؤطرة في إطار أسلوبي جميل ، ومبرمجة ضمن سياق فني متكامل ..
على كل حال …..
نعود إلى القصة الأساسية .. وفحواها : أنه في ذات عيد ، وكان عيد أضحى ، لم يستطع صاحبنا عبد الوهاب أن يؤمن طعاماً لأولاده ، الذين تجاوزوا في أعدادهم رقم عشرة ، ولم يتمكن من أن يقدم لهم مايليق بهذه المناسبة العظيمة ، فقد كان يعاني في تلك الأيام من شظف العيش وضيق ذات اليد ، فبات ليلة العيد مكتئباً حزيناً ، لايدري ماذا يقول لعائلته في الصباح ، وكيف يعتذر منهم عن هذا التقصير ؟!..
وعندما لاحت تباشير النهار ، فوجىء بطرقات قوية على باب بيته ، لم يدرِ من الطارق ، ولم يعرف من ذا الذي يزوره في هذا الوقت المبكر .. تحامل على نفسه ، ونهض من فراشه ، ومضى متثاقلاً نحو الباب ، وهو يسير بخطوات حذرة ، خشية أن يدوس على أحد أولاده الذين افترشوا الأرض ، وانتشروا نياماً في فناء البيت … فتح الباب ، ففوجىء برجل وقد غطى وجهه لثام لم تبد منه سوى عينين تلمعان ، لم يعرفه في البداية ، ولكنه عندما كشف عن وجهه ، أدرك أنه صديقه الحميم عبد الودود ، قال له : ماالذي جاء بك في هذا الوقت ؟!!!. و … استدرك : ثم أنا لاأستطيع استقبالك في بيتي الآن ، لأن أولادي مازالوا نائمين على الأرض !!. فأجاب الأستاذ عبد الودود : ماجئت لأجل هذا ، ثم دفع إليه بخرج ثقيل قائلاً : بل من أجل إعطائك هذا … وكان ( خرج ) موتوسيكله الذي كان يمتطيه ، كان خرجاً ضخماً ، له جيبان عريضان ، ملىء أحدهما بقطع ضخمة من اللحم ، وملىء الآخر بكميات كبيرة من حبات البرغل النيء !.. قال له : ماهذا ؟؟؟!!. أجابه : هو لك … ثم استدار وعاد أدراجه ، من غير أن ينتظر كلمة شكر ، أو تلويحة وداع !!.
وأفلت لخيالكم العنان ، كي تتصوروا ماذا جرى بعد ذلك ؟!!!..
رحم الله الأستاذين عبد الوهاب وعبد الودود ، وأسكنهما فسيح جناته ..

د . موفق أبو طوق

المزيد...
آخر الأخبار