على ضفاف العاصي : حفلات توقيع الكتب

لا أدري لماذا كلما ذكر أمامي ، أو دعيت إلى حفل توقيع لكتاب ما ، تقفز إلى ذهني صورة الكاتب الكبير الراحل حنا مينة وهو يجلس أمام أحد دور النشر في معرض مكتبة الأسد الوطنية في تسعينيات القرن الماضي ، ينتظر أن يأتيه شار ما لإحدى رواياته الجديدة كي يوقع له عليها ، مشهد لم أحبه يومها ، واعتبرت أن خطأ كبيراً قد ارتكب بحق هذه القامة الأدبية الكبيرة من قبل الدار نفسها .
ثم صارت هذه الحال طقساً متكرراً في كثير من المنابر الثقافية في وطننا سورية وغيره. دعيت إلى الكثير منها ، دون أن أكون راضياً ، لأنني كنت أحس بإحراج الكثيرين ممن دعوا إلى هذا الحفل كي يبتاعوا الكتاب ويدفعوا ثمنه ، وأغلبهم ليسوا من القراء ، وخاصة بعد الارتفاع الكبير في أسعار الكتب .
وغالباً ما يرافق حفل التوقيع ، نشاط آخر لا علاقة له بالأدب ، فيخرج الحضور وهم يتحدثون عن ذاك النشاط ، وليس عن حفل التوقيع . ولأن معظم الحاضرين ليسوا من المهتمين بالأدب ، فلن يصغي أحد منهم إلى نص أو نصوص يلقيها صاحب الكتاب أو أديب يقدم الكتاب شارحاً بشيء من الاختزال على الأغلب .
وربما اهتموا ببعض الشكليات ، خاصة بشكل صاحب الحفل وأناقته والضيافة المقدمة .
وتتكرر الحالة ، حتى أنها صارت تقام في كثير من المراكز الثقافية الوطنية بتفصيل مشابه ، فأنفر حتى لو اضطررت مكرهاً لحضور بعضها بسبب علاقة شخصية تربطني بهذا الأديب أو ذاك . وأعلن أنني لن أمارس ذات الطقس مهما كان ، وهذا ما حدث في كل مجموعاتي القصصية التي أصدرتها ، واكتفيت بإهدائها إلى أصدقاء أعرف أنهم سيقرؤونها دون أدنى شك.
وأكثرنا نحن معشر الأدباء عندما نطبع أعمالنا على حسابنا الشخصي ، ندرك تماماً أن ما سنكسبه فقط ، هو ما سيترك هذا الكتاب من انطباع لدى قارئه ، ولا نفكر في كسب مادي صار صفراً في سنواتنا الأخيرة بسبب صعوبة الشراء والانكفاء عن القراءة عند الكثيرين .
وأقول إنني وكثير من أصدقائي الأدباء مع هذه الحفلات عندما يوزع الكتاب دون قيمة ، ودون هذه المظاهر الاحتفالية المكلفة التي لا تمت للأدب والثقافة بأي صلة .
وفي جعبتي بعض أمثلة من هذا النوع ، ترسخت في الذاكرة، ولطالما تحدثنا عنها وأثنينا في أمسياتنا وندواتنا الأدبية والثقافية .
وعلينا ألا نقيس على نماذج من خارج مجتمعاتنا العربية التي تعود على المؤلف بثروة باهظة ، لم يحصل عليها كبار الشعراء والروائيين العرب ، وهم لم يقوموا بهكذا احتفالات أصلاً ، لأنهم لم يكونوا بحاجة إليها لتسويق كتبهم ، تسويق استثمرته في الغالب دور النشر ، ولم يكن العائد المادي على الكاتب أو الباحث أوالشاعر إلا القليل الذي لم يتحدث هو أو الصحافة عنه .
حتى نزار قباني ومحمود درويش ونجيب محفوظ وحنا مينة .. لم نسمع أو نقرأ عن ثروة كبيرة تركوها بسبب مبيعات كتبهم ، وإذا نالت أحدهم ثروة ما فليس بسبب مبيعات الكتب بالتأكيد .

محمد عزوز

المزيد...
آخر الأخبار