السنبلة الملأى والعربة الفارغة

في جلسة ضمَّت لفيفاً من الأصدقاء دار حوار طريف ومفيد بدأه أحدهم قائلاً : ألا ترون أن فلاناً قد أصابه الغرور فلا يتقبل نقداً يوجَّه إليه ، وكلما حضر محاضرة انبرى وقال للمحاضر : أنت لم تقدم شيئاً جديداً في محاضرتك.
قلت : الغرور صفة ذميمة ، وظاهرة نفسية سيئة عند الكثيرين ينبغي علاجها …. والإنسان الممتلئ حقاً هو الذي يكون في سلوكه مع الناس محباً ومحبوباً يجعلهم يتحدثون عنه ، ويلهجون بإطرائه ، من غير أن يكلف نفسه هذا العناء ، وأتعس الناس من لا يكون محباً ولا محبوباً ، وقديماً قالوا : من تواضع للناس رفعوه .
قال آخر : ألا توافقونني الرأي في أن أجدادنا العرب تمكنوا من بناء حضارة شامخة قوية قائمة على العلم ، وكان وراء ذلك علماء أفنوا أعمارهم في التحصيل والتأليف فنجد الواحد منهم قد ترك لنا من المؤلفات ما تعجز عنه مؤسسة علمية ، أو مجموعة من الباحثين ، وكل هذا تم بصمت وتواضع وعدم ادعاء ؟ قلت : هذا كلام صحيح ، وقد روت لنا الكتب أن من هؤلاء العلماء من كان يعيش في كوخ ولا تكاد تجد في بيته إلا الماء والخبز الجاف ، لأنه كان يدرك تماماً أن العلم رسالة عظيمة ينبغي أن نقوم بها من أجل نهضة الأمة … ولعل أجمل مثل بين الغرور والتواضع، تعطيه لنا السنبلة الملأى بحبات القمح ، فإذا بها محنية مثقلة بالخير والشبع ، في حين نجد سنبلة القمح الفارغة منتصبة الرأس ، مغرورة بنفسها ، خادعة مخدوعة ، وصفها الشاعر فأحسن الوصف بقوله:
ملأى السنابل تنحني بتواضع
والفارغات رؤوسهن شوامخ
وفي المعنى نفسه مثل يقول : العربة الفارغة هي التي تصدر الضوضاء .
قال أحد الأصدقاء : إن من لا يشكر الناس على جهودهم، ولا يثني على المحسن إذا أحسن ، ولا يتقبل النقد البنَّاء ، هو إنسان يشبه الديك الذي يظن أن الشمس لا تشرق إلا لتسمع صياحه .. وفي الوقت نفسه استولى عليه الغرور فظن أنه امتلك العلم من أطرافه ، وصار يحدِّث الناس بمنطق الأستذة ، والتعالي عليهم ناسياً قول الشاعر :
فقلْ لمن يدّعي في العلم فلسفة ً
حفظت شيئاً ، وغابت عنك أشياء
قلت : ما أجمل أن نضع دائماً أمام أعيننا المثل القائل : صديقك من صَدَقـَكَ لا من صدَّقك.

د.موفق السراج

المزيد...
آخر الأخبار