لم أشعـر بحضوره لا بطعم كعكه أو ملمس السمسم . حتى أني على ما أذكر لم أغـسل وجهي ولا أصابعي من زيت انتظاره -وقفت بباب الوقت، تسلل من زوايا القلق وسبق خطواتي بمئة معايدة فتحتُ النافذة من جهة الشرق فاجأني النملُ الباحث عن قمح العيد في جيوب الفقراء . – لم تتغير ملامحُه، قامته، صيفه ، خريفه ،كل ما يمتُّ لعينيه بصلة لم يتغير، فقط هي جدتي رحمها الله هي من ماتت فانقلب قميصُه الأخضر وصار الوردُ بلا عروة والأكمام بلا أكتاف، من حينها جيبُ بنطالي الجينز فارغ من السكاكر ولم تدخـل إليه /عـيـديـة/ – لــو أن الحمامةَ بنتْ عشَّها بعيداً عن سقف بيتنا كانت اﻷفعى ابتعدتْ ولم تقطن بين خشبه ولــو أن الذرةَ لم تنبت في حقل اﻷغاني ما كانت أكلتها تحت جنح الفزاعة الخنازير، ما بعـد العيد لم يختلف عما قـبله يشبه كثيراً مواسم التين والعصافير /الانتهازية / التي يزيد وزنُها وهي تتطاول على تـيـن الشعـر تارةً وتارة على /عـيدية /جدتي وأحياناً تتطاول على وسادتي فتداهمني الكوابيسُ طيلة التفكير فلا أعرف أغنية عبد الحليم حافظ / زي الهوى / من أغنية فيروز /بهالعيد بدي قـدم هدية/ حتى الوردة قَـبِـلنا بها كـعـيـدية لكنها لم تـأت -المهم في الأمر رأيـتُ جدتي تقوم من قبرها وتـدز بجيبي ربع ليرة ورأيتني أركضُ وأقـفـز في الهواء فرحاً حتى أصلَ عنقود عنب فأقضم بعض حباتِه حتى أنت ياعنقود العنب ! كان حامضاً جـداً فأدمى شفاهي بحموضته ورأيت جدتي تبكي وتعود إلى قبرها. فتحتُ كفي لم أجـد الربع ليرة وجـدت بعضَ الخطوط وقد اشتـدّ أنين نبعها فلاذ بالصمت إذ لاجدوى من هديره المستمر -ما بعد العيد أيتها الصراصير المصطفة على جانبي مساكب النعناع المنتشرة رائحتها في كل اﻷرجاء خالٍ من مؤونة الندى فكيف ستقشر أمي حبات البرغـل على سطح آب؟ وكيف تفصل الأمهات الحقائب ، وترتب الألوان وسندويش الزعتر ؟ وكيف ستعجن جارتنا حديث الصباح مع جارتها حول حطب التدفئة ؟ والندى عالق في اﻷعالي لا ينزل صوبنا، ما بعد العيد أيتها اﻷباريق الفارغة من عصير التوت والبرتقال المملوءة بالخواطر المكسورة يذكرني بأباريق جدتي المملوءة بالعيران، قبل وأثناء وبعد العيد أدس يدي في جيبي وأقول : مـرَّ العيد كيف أسرفـتُ كلّ هـذا الأمل ! كيف لم أنتبه لسذاجة طفولتي المـتـأخرة لـن أصدق صـوت الألعاب الهوائية بـعد الآن.
نصرة ابراهيم