التقيت أحد الأدباء الذين أكنّ لهم كل احترام وتقدير فشكا لي من بعض الذين يدعون الشعر والأدب والألقاب الرنانة، فمن يتعود على عادة سيئة لايمكن أن يتجاوزها مهما تغيرت الظروف والأحوال. قلت له: هل الأديب يكذب؟وهل الشاعر يتلون؟ وهل الصحافي يتاجر بالكلمة؟ وهل الوفاء ينحصر في الناس الأكثر علماً دون غيرهم؟ قال لي: لقد أمطرتني بأسئلة كثيرة تحتاج إلى وقت طويل وجهد كبير للإجابة عليها وخاصة إني لاأستطيع أن أعرج أمامك في صحة الأجوبة كونك شفاف وتعرف بواطن الأمور. فالأديب ياصاحبي يكذب أحياناً عندما يشعر بأن الوسط الذي يعيش فيه مترع بالمنافقين الذين يجعلون الحسن سوءاً والسوء حسناً إما من أجل مصلحة أو خوفاً، وهذا الأمر عايناه عن كثب ودراية أما بالنسبة للشاعر أو الشعراء بشكل عام فبعضهم يتزلفون ويتلونون عندما يكونون غير ملتزمين بقضية وطنية أو أخلاقية تتطلب تضحية ومواقف مشرفة وهؤلاء ما أكثرهم في أيامنا هذه، إنك تنظر إلى أحدهم فتراه شخصية واعية متزنة له حضور اجتماعي فيكبر في عينك، وبعد مدة تجده يشيد بشعره من لا يستحق فيفقد احترامه بين الناس كشعراء الملوك والأمراء والسلاطين أيام زمان فيسقط من عينك، هذا التلون عينه والنفاق نفسه يسجل عليه مستقبلاً مهما قدم من أعذار، أما الصحافي الملتزم بقضايا الوطن والشعب لا يمكن أن يتاجر بكلمة إلا إذا كان دخيلاً على الصحافة وبالتالي لا يحترم شرف الكلمة فهؤلاء قلة يمثلون حالة استثنائية جداً في عالم الصحافة إذ إن الوفاء لايقتصر على الأكثر علماً دون غيرهم لأن الوفاء طبيعة إنسانية يتمتع بها الإنسان السوي الذي نبت في بيئة لا نفاق فيها ولا كذب ولا مداهنة، يتمسك أصحابها بقيم أخلاقية ثابتة يخشون المجتمع، ومن لا يخاف الرأي العام ليس إنساناً، لذلك ياصاحبي أرغب أن أتلو على مسامعك بيتين من الشعر قالهما: صاحب شاة حلوب أكلها ذئب بعد أن رضع من حليبها عندما كان جرواً صغيراً فلم يشفع لها حليبها ولا لبنها قائلاً
أكلت شويهتي وفجعت قلبي
فمن ٲدراك أن ٲباك ذيبُ
ٳذا كانت الطباع طباع سوءٍ
فلا لبن يفيد ولا حليبُ
أحمد ذويب الأحمد