تجليات الصباح

روى لي الشاعر الراحل عبد الوهاب الشيخ خليل 92» عاماً أن شجرة الليمون في بيته قد اعتراها مرض واصفر ورقها وبات حملها قليلاً , فجلب لها من الصيدلية الزراعية العقار المناسب وأخذ يسهر عليها في إعطاء الدواء والسقاية , وكان يطيل الجلوس بجانبها ويخاطبها خطاب من يعود مريضاً يسليه ويواسيه ويحثه على الصبر لينال الشفاء , وبعد مدة أصبحت شجرة الليمون تتماثل للشفاء وكثر حملها وعادت كما لو كانت فتية , وهنا يقول الشيخ خليل: وكأني جلست إليها كعهدي السابق لكني هنا هنأتها بالشفاء وتمنيت لها مداومة الصحة , وهنا فجأة اهتزت الشجرة وتمايلت أغصانها وخشخشت أوراقها وكأن ريح عاصف هب عليها , والغريب في هذه الظاهرة أنها كانت قد حصلت لها وحدها من دون بقية الأشجار في البيت. ويتابع يقول: هنا اعترتني قشعريرة وسال دمعي وكأني بهاتف يدوي في أعماقي قد أتى من الشجرة يقول: والشكر لك أنت من اعتنيت بي في مرضي ..»انتهت القصة».
وعمتي التي كانت تسكن في حي دار الغنم كانت تعتني بنبتة اسمها قلب عبد الوهاب كانت تربطها بالخيطان لتتسلق عليها وتملأ سقف القاعة، وكانت تعتني بها وتمسح أوراقها كل فترة ورقة ورقة من الغبار وهي تغني لها وتخاطبها فترى عندها يهتز الخيط بأوراقه اهتزاز وتر العود عندما تنقره ريشة العازف .
وأم صديقي المسنة التي باتت وحيدة في بيت العائلة تأبى أن تتركها لتسكن مع وحيدها مدعية أنها لايمكن أن تتخلى عن زريعتها في البيت فهي في حبها لها حب الوليف للوليف …
وامرأة أخرى تروي حكاية بيتها الذي اصابته قذيفة فتهدم قاعاً صفصفاً، وهنا تبكي وتتابع أنها حقيقة حزنت عليه لكنها تقسم أن حزنها على زريعتها كان أكثر من كل ماحوته الدار من متاع وأثاث…
وخالتي التي كانت تسكن في حارة الجسر كانت كلما تسقي زريعتها تحاورها وتسلم عليها وكأنها من نسوة جيرانها ’ وأراها كيف كانت تضع قشرة البيض على الفلة والتمر حنة وأسأل مستفسراً فترد علي : من عين الحسد..
وأذكر أن عند جيراننا في حارة البرازية كانت الفلة بطول الشجر ولاأغالي وازرار الفل عليها كالنجوم تتلألأ في سماء صيف صافية …
كنا نضع الفل في ماء الزير «خابية الماء» فيطيب شربه , وتحوش أمي الياسمين تنثره بين طيات المناشف والملابس وعلى وجه السرير لينشر رائحته العبقة , كما وتشكّه بخيط كطوق من الياسمين لتهديه لجارتها …
قرأت مرة أن مزارعاً كان يخاطب شجرة رمان في بستانه كان ثمرها فجاً عليلاً وأقسم عليها أنه سيقطعها في نهاية موسم الرمان إن لم تحمل كمثيلاتها من الرمان.
وكان أن حملت في الموسم أكثر من مثيلاتها، فهل فهمت وخافت التهديد ؟ وقصص..وقصص..لاتنتهي فسبحان خالق الأرواح , فالق الإصباح . مجري الرياح…وأنه ما من شيء إلا يسبح بحمده سبحانه في علاه.

محمد مخلص حمشو

المزيد...
آخر الأخبار