ماذا نستفيد إذا طورنا وسائل الإنتاج وأبقينا الأدوات متخلفة أو مترهلة أو غير قادرة على التفاعل الإيجابي مع معطيات العصر الحديث؟ لانستفيد شيئاً البتة لأن التطوير يجب أن يستهدف أولاً الإنسان الذي يعد الحلقة الأقوى في عملية التطوير، وتطوير الإنسان يحتاج إلى عملية ثقافية معرفية تبنى لبنة لبنة من خلال تاريخه الطويل، وليست اختراعاً فورياً لآلة صماء فهو مركب من فكر وعواطف ومشاعر وأحاسيس ودوافع وهذه كلها يجب أن تصقل وتصعد في اتجاه الانتماء الوطني الصادق، ولكي تكون كذلك يفترض أن تنقى من الشوائب كافة التي تراكمت في عقلية الإنسان حتى أصبحت عرفاً بما يشبه القانون الذي لا نقاش فيه أبداً. فالانتماء الوطني الصادق يتطلب طلاقاً لجميع الأمراض الاجتماعية من خلال السلوك اليومي على الأرض، ومن خلال التعامل مع الآخرين، وهذه هي الترجمة الصحيحة للفكر الذي يحمله الإنسان وكل ماعدا ذلك لا يتعدى التنظير الذي لا يسمن ولا يغني من جوع فالعقليات التي نمت وترعرعت في مناخات غير صحية أحياناً يصعب اقتلاعها أو محو آثارها لأنها كونت لها رصيداً بفعل استمراريتها وامتداداتها فتجذرت في كل مكان ففسدت وأفسدت وادعت أنها صاحبة الانتماء الوطني الصادق ووجدت من يصدقها ويشد على أيديها من خلال المصالح الشخصية الآنية.. في خضم هذا الواقع في أي مجتمع في العالم تضيع المقاييس والمعايير ويقدم أمره من لا يصيب ويزيد عدد المنافقين والمرائين ليخلقوا جواً مريحاً لأصحاب المصالح الشخصية .
فالأمر يحتاج إلى تكثيف جهود كل المخلصين في المجتمع وإزالة كل العوائق التي تحول دون تحقيق عملية التحديث والتطوير، وهذا الأمر لا يتحقق بالوعظ والإرشاد وحده، بل بمخاطبة العقل المنفتح النقي الذي يطمح إلى التطوير بعيداً عن العقليات التي تدعي التطور، بينما واقعها المادي والفكري لم يعد يقبله، وإن تعبيد الطريق الذي تسير عليها عجلة التطور تتطلب أيضاً إزالة جميع النتوءات والمنخفضات والتعرجات والأشواك من طريق هذه العجلة وعدم السماح للمتسلقين من معاودة ركوب العجلة بحثاً عن مواقع جديدة لهم، لأنه ليس كل من ادعى الوطنية وطنياً، أو من لم يدعيها هو غير وطني، فالوطنية ممارسة وعمل وإنجاز وليست كلمات مجردة، فالإنسان يبقى الأهم في معادلة التطوير والتقدم..
أحمد ذويب الأحمد