أين تكمن الأزمة؟

لماذا يحرق المرء دمه وأعصابه بأسيد الكتابة،ويصلب نفسه على أسنة الأقلام،أو يحشرها في محرقة الكتب ليجد من يستهجن الكتابة والكتاب ويدعو إلى الإعراض عن كل مايمت إلى الثقافة بصلة لأنها _كما يقولون_ لا تطعم خبزا.
من منا لم يسمع الألسنة تلهج بوجود أزمة في هذه المادة الغذائية أو تلك دون أن نسمع أحدا يشير إلى وجود أزمة ثقافية تعاني منها العقول المصابة بفقر ثقافي كما تصاب الأجسام بفقر الدم،وكأننا في ذلك ندل على أننا أمة لا هم لها ،من هذه الحياة ، إلا بطونها.
أليس من المؤسف حقا أن يسأل كثير من شبابنا المتقدمين إلى فحوص المعاهد عن أديبين عربيين فلا يعرفون؟ولو سئلوا عن أسماء الفنانين والراقصات لما أغفلوا منهم اسما واحدا.
أين من يحدثنا بدقة _ممن يعدون أنفسهم مثقفين_عن تاريخ بلاده ،بل عن تاريخ بلدته،بل عن تاريخ منطقة أثرية واحدة فيها؟وسائق سيارة أجرة في موسكو يشرح لأديب عربي. _ استقل سيارته _كل شيء يخص ماضي الإتحاد السوفيتي ثم يعرج على جميع المناطق الأثرية في المدينة فيعرفه عليها كعالم آثار محترف ليصل إلى ظروف وملابسات الحرب العالمية الثانية فيصف له كسياسي_في جولة واحدة_الأيام العصيبة التي عاشتها البلاد ويحدثه عن أسباب انتصارهم على العدو النازي ,كما يحدثه كأديب،عن الأدباء السوفييت كتولستوي وغوركي وبوشكين وتورغينيف وغوغول…
وأشهر أعمال كل منهم.
ما سبب هذه الازمة الثقافية التي نعيشها ونعاني منها؟بل ما أسبابها ؟هل هي حقا ناتجة _كما يقول بعضهم_ عن عدم توافر الكتب بين أيدي القراء،لشح فكري يعانيه كتابنا،أو لقلة النسخ المطبوعة؟
أقول ليس ذلك هو السبب لان لدينا _والحمدلله_ الكتب القديمة والحديثة ولدينا كتاب يكتبون باستمرار ،ولدينا المطابع التي تنشر آلاف النسخ من كل كتاب ،كما أن لدينا المجلات الكثيرة الغنية والمفيدة ومؤسسات التوزيع التي تقوم على ذلك إلا أن أزمتنا الثقافية الحقيقية،تتجلى في عزوف الجيل الصاعد وإعراضه عن قراءة مثل تلك الكتب والمجلات المفيدة،والمؤلفات التي تغذي العقول وتغنيها بشتى المعارف وإقباله على المجلات والكتب الرخيصة التي لا تحتوي إلا على السم الزعاف .أضف إلى ذلك أن انغماس الفئات الأخرى بالمادة_والتي يجب أن تكون أكثر وعيا من الناشئة _وتهافتها المستميت عليها ولهاثها الدائب وراءها سبب آخر يقف خلف الأزمة الثقافية فأزمة الثقافة العربية اذا ليست أزمة كتاب أو مجلة وإنما هي أزمة قارئ واع،وهو المسؤول وحده عن تلك الأزمة.
أليس للثقافة أهمية كبيرة؟أم أن المادة وحدها هي التي تستحق الإهتمام ؟للاجابة عن هذا السؤال يكفي أن نعلم أن العدو الصهيوني حينما غزا لبنان هاجم مركز البحوث والدراسات التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية فنهبه ودمره كأول عمل إجرامي يقوم بتنفيذه.وبالتالي فمجحف بحق الوطن والأمة من لا يشعر بالمسؤولية في أمر خطير وهام كالثقافة،لما ينتج عن نحرها من تخلف يجهز على الأمة ويقودها إلى الهاوية.
د.موفق السراج

المزيد...
آخر الأخبار