على ضفاف العاصي: الموسيقى حياة

 
ما أعظم أفلاطون حين كتب ذات يوم (( من حزن فليسمع للأصوات الطيبة فإن النفس إذا حزنت خمد منها نورها فإذا سمعت ما يطربها اشتعل فيها ما خمد )) مقولة تلخّص علاقة الموسيقى بالنفس وبالروح وبالقلب وما يمكن أن تتركه من مسّ ملائكي رحيم على أرواحنا .. نعم وهل لأحد منّا تخيل العالم دون موسيقى مثلا وكيف له أن يكون أو كيف من الممكن أن نكون نحن ؟؟ هل لأحد منا حاول أن يبحث في أسباب سكرتنا عقب سماعنا مقطوعة هنا أو هناك ؟؟ وما هي أبجديات هذه اللغة المهيبة التي استطاعت أن تتغلغل في حنايا روح الإنسان ويفكك رموزها ..يتهجّاها ويفاخر بتراتيلها وقداديسها ؟؟ ما علاقة الموسيقى بباقي الفنون من رسم وشعر ونحت ومسرح ..الخ ؟؟ وكيف استطاعت ان تتجاوزها كلها وتنتشر انتشار نسيم عليل وتمخر عباب الإبداع وتحظى بكل هذا الإجماع الكوني ؟؟ الموسيقى قد تلتقي بباقي الفنون وقد تتقاطع في وظيفتها ولكنها لا يمكن لفن إبداعي أن يتطابق معها فهي الأوسع ولأشمل والأهم والأميز إذ تعمل على تنمية الطاقات الروحية الايجابية وتهدهد المزاج العام وتهيئ أجواء طافحة بالفرح والسعادة والسلامة مهما اجتهدنا في تعريفات للموسيقى فسنبقى ندور بفلك ضيق جدا إذ لا تعريف مانع جامع قاطع للجمال ..للشعر ..للحياة وقد اجتهد كثير من الفلاسفة والأدباء فتغنوا بالموسيقى بوظائفها وألقها ..بخمرتها وكان ثمة إجماع على أنها حديث الملائكة كما قال عنها ( شبنهاور ) ورأى (غوتة) أن كل الفنون تسعى لكي تكون موسيقى كل هذه الأسئلة وغيرها دائما تنبسط أمامي عقب حضور حفلة موسيقية ما .. الأربعاء الماضي اختتمت وزارة الثقافة – مديرية الثقافة في حماة في دار الأسد للثقافة مهرجان حماة الثقافي الثاني بحفل فني مائز ومهيب أحيته فرقة ( أوركسترا صَبا) القادمة من حلب بقيادة المايسترو شادي . ما يمكن قوله هنا وبعد قراءة متأنية لقسمات وجوه من حضر من أهالي حماة هو التالي : نحن كحمويين كغيرنا من السوريين تركنا خلفنا أعباء الحياة وتداعيات الحرب والبؤس والفقد والغربة وحضرنا إلى دار الأسد للثقافة لكي نحضر هذا الفن الراقي ونتطهر من أدران الواقع ..من القيم الرديئة ..فالموسيقى تعيدنا أطفالا انقياء نرقص على إيقاع نبض الحياة التي ضحينا بكل ما نملك من اجل ان نعيشها على أرض وطن عزيز معافى رقصنا (كالطير يرقص مذبوحا من الألم ) ذرفنا دموع فرح ام حزن أم خوف وقلق من قادم مجهول .. غنينا ..خرجنا من أجسادنا وهمنا في فلك النور والضوء ورتلنا معا في صالة امتلأت عن بكرة أبيها تلك الأغاني التي تربينا على ايقاعها ( أول مرة تحب ياقلبي – لما بدا يتثنى – نويت أسيبك – العزوبية – طلوا حبابنا طلوا – بكتب اسمك يا حبيبي ) موسيقى السوريّ الذي أصرّ أن يمارسها عزفا وغناء واستماعا ومن تحت الأنقاض ..في ساحات الحرب ليؤكد لطغاة العالم بأننا سنهزمهم بموسيقانا وبأناشيد أطفالنا .. شكرا مديرية الثقافة في حماة والتي دائما تعمل على تأكيد حقيقة مفادها أننا كسوريين لا أبناء الحياة وحسب ..بل صنّاعها وعشّاقها
عباس حيروقة
المزيد...
آخر الأخبار